شبكة العاصمة اونلاين
مع كاميرا تلاحقه، ومايكروفون بيده، يوقف الإعلامي السوري القدير عبد المعين عبد المجيد، السوريين الذين حملهم الشتات إلى شوارع اسطنبول، ليسألهم عن أحوالهم، و”يدردش” معهم بطريقة عفوية، راسخة في ذاكرة من عرفوه، عن أوضاعهم ومهنهم وهمومهم، معيداً الناس 25 عاماً إلى الوراء، فيما يشبه إعادة عرضٍ للذاكرة واستحضار الحنين إلى الماضي، عبر إعادة إحياء برنامجه القديم، الذي عُرف من خلاله لدى السوريين، “تلفزيون والناس” تحت اسمٍ جديد “وين ما كنتو.. تكونوا”.
الإعلامي السوري، انتقل إلى اسطنبول منذ سنة ونصف تقريباً، لكن ما لا يعلمه الكثيرون أن برنامجه “تلفزيون والناس” توقف في العام 2012 حيث كان يبث على القناة السورية الأرضية، التي لم تعد تحظى بمتابعة كبيرة مع وجود البث الفضائي، لكن نقل البرنامج إلى الخارج كان مسألة مخيفة بالنسبة له:
“لقد كنت متردداً كثيراً حول العودة للظهور الإعلامي بهذا العمر، ومنذ أن أتيت إلى اسطنبول قررت العمل بالفن التشكيلي وأن أبدأ ورشة للمهن اليدوية، أو أن أُنشئ مسرح طفل للسوريين المتواجدين هنا، فالجيل تغير ولا أعرف إذا ما كان الناس سيتقبلون عملي مجدداً، كما أني لن أعود مع قناة جديدة معروفة، لكن القائمين على العمل أقنعوني بالفكرة واقتنعت”.
لم يعد عبد المعين عبد المجيد عبر قناة سورية أو عربية بل عاد من بوابة العالم الافتراضي، عبر جريدة “عنب بلدي” والتي مقرها تركيا، ويبث عبر اليوتيوب والفيس بوك فقط.
وتم تغيير اسم البرنامج لأسباب تتعلق بحقوق الملكية الفكرية، وليتناسب مع الحالة الجديدة التي فرضها الواقع على السوريين. ويرى بعض متابعي البرنامج أن اختيار اليوتيوب والفيس بوك كوسيلة للبث يتناسب مع فكرة البرنامج أكثر، على عكس ما كان يخشاه عبد المجيد.
يقول: “كنت متخوفاً من الظهور عبر برامج التواصل الاجتماعي، بل كنت أقول بأني لن أعود للعمل الإعلامي، فهذه البرامج مرعبة بالنسبة لي، والبث عبرها أسوأ من البث الكلاسيكي، ففي حال الخطأ بحالة البث المباشر تمر الغلطة، لكن هنا مع التعليقات وردود الأفعال لا أحد يرحم”.
ويضيف: “يشعر المرء بأنه مراقب بشكلٍ دائم، وهذا شيء خفت منه لأنه لا يتناسب مع عمري وتاريخي، لكن في النهاية علينا أن نعمل وهناك بالتأكيد من سيحبنا وهناك من سيشتمنا لكن هذه ظروف أي عمل”.
برنامج “تلفزيون والناس” بنسخته القديمة وحتى الجديدة يعتمد على خروج مقدمه إلى الشارع وإيقاف الناس بالطريق أو أثناء ممارستهم لمهنهم، أو التطفل على جلساتهم في المطاعم أو الحدائق، والحديث بطريقةٍ عفوية عن أحوالهم.
ويتم التطرق لشرح كيفية العمل في مهنةٍ ما، أو أحوال البيع والشراء، لتكون نشرة أخبار البلد “من فم أولاد البلد” وبطريقة لطيفة.
وتناقش حلقات البرنامج الاقتصاد تارة، والعادات والتقاليد، والأمور الاجتماعية تارة أخرى. وكان البرنامج يعتبر ثورة في برامج التلفزيون، وذهب البعض إلى اعتبار عبد المعين عبد المجيد ملك “تلفزيون الواقع” قبل اختراع هذا المصطلح بكثير.
وعن السر وراء عودة البرنامج يوضح عبد المعين قائلاً: “عندما خرجت من سوريا أردت ان أقوم بشيء يسلط الضوء على المواطن السوري الذي من أجله هو، حدث ما حدث، ووجدت أن لا أحد يتناول أوجاع المواطن في الخارج، ولم يتطرق أحد لكيفية عيشه، وإن وجد ذلك فيبقى عبارة عن قصص فردية”.
“طلعت الكاميرا زيارة وراحت من حارة لحارة”، أغنية لا تفارق ذاكرة السوريين من جيل الثمانينيات، حيث كانت الساعة السادسة من مساء كل يوم جمعة، موعد مقدس للبرنامج الذي أضحك الملايين، وعبر عنهم.
الشارة الغنائية التي لم تنتقل مع البرنامج، رافقت عبد المعين عبد المجيد مع بداية تجربته من تركيا لصالح راديو شبّاك، غطى فيها بعض النشاطات التي يقوم بها السوريين في تركيا، لكن ظروف العمل تغيرت يقول: “أعاني من الأمور المهنية والمادية، لأن الموضوع جديد بالنسبة للمنتجين هنا، كما أننا نحتاج لتصاريح في كل مكان نصور فيه وهذا يعرقل العمل قليلاً، كما أن هناك أشخاص لا يرغبون بالحديث مع الكاميرا، والبعض يقول أشياء لا يجب أن تقال أمام الكاميرا، خاصة أن البرنامج اجتماعي لا سياسي، لكن اللقاءات عفوية، ونحن دوماً نبحث عن تواجد السوريين”.
ويضيف الإعلامي الستيني: “أيضاً على الصعيد الفني أعاني من صعوبات، هنا أغلب من يعمل في التصوير أو المونتاج ليس محترفاً بشكل كامل، فهم شباب خبرتهم ليست كبيرة ولا زالوا يتعلمون، وفي مثل هذه البرامج يتطلب الأمر مصوراً سريع البديهة حاضر دائماً أيضاً خلال عملية المونتاج، بخلاف ما كان عليه الوضع في سوريا، حيث كنت أتعامل مع أشخاص محترفين”.
وحول تأثير الانقسام السوري على شعبية برنامجه وشعبيته هو أيضاً يقول عبد المعين: “الانقسام السياسي في الشارع اليوم يؤثر كثيراً، فاسمي مرتبط بذاكرة كل السوريين، وأنا حريصٌ على أن لا أسيء لسمعتي وتاريخي، واليوم هناك جيل لا يعرفني ولا يعرف البرنامج، وأحاول أن أكون متوازناً وأن أعمل على جمع الناس لا تفرقتها”.
ويختم عبد المعين عبد المجيد بالقول: “سنبدأ بالتصوير في مدن تركية أخرى، كما كنا نفعل في سوريا، وأتمنى أن نذهب للسوريين في كل مكان، في أوروبا وكل دول اللجوء والشتات”، مضيفاً “البرنامج ملك الناس، استمر 25 سنة، وأشعر بأنه قطعة مني ليتعرف الناس على أحوال الآخرين، كنا ننتج منتوج سوري بحث، من سوري لآخر، وأتمنى أن يستمر لسنتين على الأقل. وربما سأسلم الراية لشخص آخر من بعدي يتابع رصد حياة الناس”.
المصدر : DW