بعث المعارض السوري عضو “الهيئة العليا للمفاوضات”، جورج صبرا، رسالة إلى البطريرك اللبناني الماروني مارة بشارة بطرس الراعي، الذي يشارك في حملة تجييش ضد اللاجئين السوريين في لبنان، قائلاً إنهم “يتنزعون لقمة العيش من الشعب اللبناني”.
ونشر صبرا (مسيحي الديانة) الرسالة في حسابه على موقع “فيسبوك”، وجاء فيها:
رسالة مفتوحة إلى البطريرك مار بشارة بطرس الراعي الموقر
يا صاحب الغبطة
ترددت كثيراً قبل أن أكتب رسالتي هذه، موضوع التصريح الأخير الذي نسب لكم بشأن اللاجئين السوريين في لبنان. لأنني سأبدو متحيزاً – وأنا في الحقيقة كذلك – منذ البداية إلى جانب اللاجئين، فهم أهلي وأبناء وطني، وأنا أنتمي إليهم، وأتحمل مسؤولية في رفع الظلم والحيف الذي يقع عليهم. لكنني تشجعت لأنني مسيحي مثلكم، وأنتمي إلى الكنيسة المشرقية. ويهمني أن أدافع عن شعبي وعن الكنيسة معاً، كي تبقى كنيسة المسيح بصورتها الرسولية الناصعة ودورها الإنساني الخالد.
هل حقاً ينتزع اللاجئون السوريون لقمة العيش من فم اللبنانيين؟! وهل صار من مهام الكنيسة أن تعزز الأحقاد والكراهية، وتدفع المظلومين إلى يدي الظالم من جديد؟! كان لبكركي دائماً دور في السياسة اللبنانية، لكنه لم يكن أبداً – ولا يجوز أن يكون – بعيداً عن رسالتها السماوية وقضية الإنسان .
يؤلمني ويحز في نفسي كمسيحي أن أسمع من رأس الكنيسة المارونية ، التي عانت الظلم والاضطهاد وقاومته لعقود طويلة موقفاً لا يتعاطف مع المضطهدين والمظلومين، بل يقف ضدهم، ويصب في طاحونة الطغاة والقتلة. ويحزنني، بل يقتلني كسوري أن يتهم اللاجئون السوريون في لبنان – ومنهم أمي ( 87 ) عاماً – بأنهم أتوا إلى لبنان لسرقة لقمة اللبنانيين وانتزاعها من أفواههم. فالخيرات السورية تعز عن الوصف. وفي سنين المجاعات والضنك المرير، كانت سورية مقصداً لطالبي الرزق والعيش الكريم، ومن لبنان بالذات خلال الحروب والأزمات. وهذا ليس نقيصة في اللاجئين والمغتربين، ولا هو حظوة لبلاد الاغتراب ومِنة منها. وأحسب أن التاريخ اللبناني ينصف سورية والسوريين في هذا المجال.
أمي يا صاحب الغبطة لم تأتِ إلى لبنان لأنها جائعة، ولم تجد خبزاً في بلدها. بل أتت طالبة الأمان والكرامة لما بقي من عمرها. وقصدت لبنان لأنها توسمت فيه وبأهله الخير، ولنا في ربوعه أهل وأحباب وأصحاب، لم يقصروا. فجبل لبنان وأهله من بني معروف كان على الدوام موئلاً للقاصدين ، ولم يخيبنا.
وأنت خير من يعرف المجالات التي يعمل بها السوريون على الأراضي اللبنانية، والظروف التي يعملون فيها والطريقة التي يعاملون بها. فالمر يحلو تجنباً للأشد مرارة. وأحسب أنهم في ظل ظروفهم القاهرة يسدون ثغرة في قضاء الأعمال التي يأنف اللبنانيون عن أدائها. ولا شك أنك تعلم أن آلافاً من المسيحيين كانوا في عداد اللاجئين الذين أرغمهم نظام آل الأسد على الخروج من بيوتهم طلباً للنجاة، ولم يكونوا عاطلين ولا متسولين. وقد أملوا مع مواطنيهم الآخرين في أن يجدوا في كنيسة مار مارون ( السوري ) وجه القديس شربل وروح القديسة رفقة، وفي وادي قنوبين وأديرته سقفاً يوفر لهم الأمن والحماية كأهل وجيران. فالله أوصى بسابع جار، وليس بين لبنان وسورية – على حد علمي – جيرة أحق.
أما إذا كان الأمر متعلقاً بالدفاع عن اللبنانيين الذين يمكن أن يتأثروا في سوق العمل، فهذا مطلب حق نحترمه ويستوجب البحث. ونحن نقف معهم للحفاظ على حقوقهم، والذنب ليس ذنب السوريين الذين يعملون بالأجور المنخفضة، فهي الحاجة يا سيدي. ويمكن للإدارة اللبنانية أن تجد مخرجاً وحلولاً منصفة للمتضررين. خاصة وأن قضية اللجوء مؤقتة مهما طالت.
واعذرني يا سيدي على صراحتي الجارحة. فنحن لم نسمع منكم كلمة في الدفاع عن اللبنانيين إبان احتلال آل الأسد للبنان. وما أكثر المظالم التي تعرض لها اللبنانيون على أيدي جلاوزة النظام السوري تسلطاً ونهباً وانتهاكاً واغتيالاً عم جميع الطوائف والمناطق، وحاول الوصول إلى بكركي وكنائسها بالذات. هل أذكركم بعنجر ، وما أدراك ما عنجر، موقع الانتهاك المر للبنانيين على أرضهم قادة ومواطنين؟! فطوال ثلاثين عاماً متواصلة كانت لقمة اللبنانيين، بل كرامة لبنان وسيادته واستقلاله ومقدراته أيضاً تتعرض للاغتصاب والسرقة جهاراً نهاراً وتحت أنظاركم، ولم يجد اللبنانيون من يدافع عنهم في وجه السلطة البعثية الغاصبة.
وهنا أَذكُرُ وأُذَكِّر بأن نخبة من المعارضة السورية (سياسيين ومثقفين) أعلنوا وقوفهم ضد التدخل السوري في لبنان منذ اليوم الأول. وفضحوا جميع الانتهاكات التي كان يتعرض لها لبنان الرسمي والشعبي. وواجهوا من أجل ذلك سنوات السجن الطويلة، وكنت بكل فخر واحداً منهم. كنا ندافع عن حريتنا وحرية اللبنانيين، عن حقوقنا وحقوقهم في الوقت نفسه بمواجهة السلطة السورية الباغية. وهل يحلم أحد بأن ينعم لبنان بالأمن والسلم والاستقرار ما لم تنعم سورية بذلك؟ ومتى كانت حرية اللبناني وكرامته مصانتان بعيداً عن حرية وكرامة السوري جاره وشقيقه؟
ليس من الحق والمنطق والعدل أن تستغل قضية الإرهاب (وهي موجودة) من أجل انتهاك الحقوق الإنسانية للاجئين، والإيقاع بين الشعبين الجارين والشقيقين. فلا تزر وازرة وزر أخرى.
يا صاحب الغبطة :
سيذهب بشار الأسد ونظامه وزمرته المجرمة. وستذهب معه ذاكرة الألم اللبناني من انتهاكاته وجرائمه، وذاكرة السوريين المتخمة بجرائم وارتكابات لا توصف خلال السنوات الست الماضية. وسيبقى الشعبان السوري واللبناني، ونبقى نحن وأنتم على طرفي جبل الشيخ، وفوق ضفتي النهر الكبير الجنوبي، نستأنف علاقة الوجود التاريخي والأبدي كشعبين وبلدين. ويعود اللبنانيون للتسوق من سوق الحميدية في دمشق وسوق المدينة في حلب، ولرحلات الصيد في البادية السورية. ويعود السوريون إلى بيروت العلم والثقافة والإعلام والفن، إلى أجواء الحرية المشتهاة سورياً منذ أكثر من نصف قرن.
نؤكد لكم بأن السوريين لن يبقوا لاجئين في لبنان ولا في أي مكان آخر. فبلادهم رحبة، لا يستبدلونها بأوطان الآخرين. وتصميمهم على العودة الكريمة وانتزاع الحرية لا يحتاج إلى دليل. وهم يتمتعون بالإخلاص لكل كلمة طيبة أو يد كريمة امتدت بالمعروف، ويستمرون بالثبات على قيمهم الدينية والأخلاقية والإنسانية وعلى العلاقة الأخوية مع لبنان الشقيق.
أما أنا فأحب أن أرى كنيسة الرب في موضعها الصحيح ومع رسالتها الأبدية الكونية لكل الناس. كنيسة للمسيح وأقواله وأفعاله، وعلى خطى بولس الرسول التي بدأها من حنانيا / دمشق، ومازلنا نحن الدمشقيين نسير على تلك البلاطات التي سار عليها منذ ألفي عام.
وكان الراعي حمّل في تصريحات نقلتها وسائل إعلام لبنانية يوم الأحد الفائت، اللاجئين السوريين مسؤولية تدهور الأوضاع الاقتصادية للبنانيين، والتي كانت متدهورة بالأساس قبل وصول اللاجئين السوريين إلى بلدهم.
وقال موجهاً كلامه للرئيس اللبناني، ميشيل عون: “فخامة الرئيس نحن ندرك نواياكم الطيبة وأمنياتكم الكبيرة. إنّ ما يشدد الشعب في الصمود والأمل بالإنفراج، إنّما هو يقينه من أنّكم تتحسَّسون معاناته الإقتصاديّة والمعيشيّة والأمنيّة والإجتماعيّة وهموم المستقبل، وهي تتزايد وتكبر بوجود مليونَي لاجئ ونازح ينتزعون لقمة العيش من فمه، ويرمونه في حالة الفقر والحرمان، ويقحمون أجيالنا الطالعة على الهجرة”.
وأضاف: “يرجو اللبنانيون من فخامتكم تصويب مسار عودتهم (للاجئين) الأكيدة إلى بلدهم، بعيدًا عن الخلافات السياسية التي تعرقل الحلول المرجوّة”.
وفيما يشتكي مسؤولون لبنانيون من ضغط اللاجئين السوريين، يتغاضون في ذات الوقت عن الآثار الإيجابية لوجودهم في لبنان، حيث يساهم اللاجئون بدعم الاقتصاد اللبناني بمعدل 1.4 مليون دولار أمريكي يومياً، وفقاً لما ذكره ناصر ياسين، مدير الأبحاث في معهد “عصام فارس” التابع للجامعة الأمريكية في مايو/ أيار الفائت.
وأشار ياسين إلى أن مجمل ما يدفعه السوريون خلال عام كامل هو 378 مليون دولار على السكن، ناهيك عن الأموال التي يدفعونها مقابل الحصول على الطعام والمواصلات والرعاية الطبية، فضلاً عن أن بعضهم افتتح مشاريع تجارية ووفر فرص عمل لشبان لبنانيين.
وأشار أيضاً إلى أن اللاجئين السوريين ساهموا في توفير ما يزيد عن 12 ألف وظيفة بين اللبنانيين عام 2016، لافتاً أن هذه الوظائف التي يشغلها لبنانيون تتركز في الدوام المسائي لمدارس خصصتها الأمم المتحدة لأبناء اللاجئين السوريين.