أحمد طفل سوري لم يتسعه سطح منزله فرحل إلى السماء
شبكة العاصمة اونلاين – خاص
سلسبيل زين الدين
حتى اللحظة لا يمكن أن أتخيل اللحظة التي فقدتُ فيها فلذة كبدي، أنا أراه يتحرك في كُل مكان، عيناه تراقبني أينما سرت، أنفاسه تلفح وجهي فجأة دون سابق إنذار، ولكن أبحث عنه فلا أجده” هذه الكلمات التي خرجت بصعوبة من قلب أم مثكولة فقدت وليدها بلحظة خاطفة ودون سابق إنذار.
الطفل المدلل
أحمد الصغير جاء إلى هذا العالم يحمل وجهه البريء، لا يعلم ما القدر الذي ينتظره، بسبب ضعف بنيته ومناعته، تعرض أحمد لعدة وعكات صحية، ألزمته فراش المرض أكثر من مرة خلال عام ونص قضى فيها أيام كثيرة في المستشفى.
وبسبب حالته التي تتحسن يوم وتنحدر آخر، حظي أحمد بمعزة واهتمام خاص من والديه، عام ونصف هو ما قضاه احمد في كنف والديه، اللذان حاولا قدر الإمكان ان يوفرا له الجو والحياة المناسبة، وبدأت الأيام تسير بخطى جميلة على الرغم من الحياة الصعبة.
كانت عائلة أحمد تعيش في غوطة الشام، فقد ولد إبان الثورة السورية التي اندلعت منذ 4 سنوات، وكأي عائلة سورية عاشت بين لحظات خوف وأمل ورجاء. بدأ أحمد يخط أول خطواته الصغيرة، فبدأت قدميه الصغيرتين تحاول الركض يمينًا ويسارًا، تراه يحاول القفز في كل مكان كأي طفل في هذا العالم على سطح منزله، من بعيد كان والديه يراقبنه يلعب ويمرح وابتسامته لم تفارق وجنتيه. ولم يكن يخطر في بال العائلة أن اللحظة القادمة ستقلب حياتهم رأسًا على عقب في نهار شمسُه مغطاة بغربال.
الضحكة الأخيرة
بينما كان يلعب أحمد مندمجًا في عالمه الخاص، لا يعلم عن العالم الخارجي الذي اندلعت فيه اشتباكات في المنطقة التي يسكن فيها، وبينما مَر أحدهم حاملًا سلاحًا هاربًا على دراجة نارية يتبادل الرصاص مع الطرف الآخر، فإذ برصاصة تتوجه إلى رأس الصغير أحمد لتخترق مؤخرة رأسه وتخرج من مقدمته، وتلقيه على الأرض صريعًا ينفث كلمة أخيرة ” بابا” دون أن يقفز القفزة الأخيرة، أو يلفظ الضحكة الأخيرة، ورحل أحمد.
في تلك اللحظة التي شُل فيها تفكير والدته لتخر على الأرض صريعة مغمى عليها، بينما ركض إليه والده يحمله بين أصابعه وهو يعلم أنه استنفذ أنفاسه الأخيرة ورحل قبل أن يتمكن من فعل شيء. أحمد الطفل الصغير الذي لم يتجاوز السنة ونصف لم يتسعه سطح منزله، ولا أرض وطنه، فحملته السماء إليها عصفورًا جريحًا.
والد أحمد الذي ترى في وجهه علامات الهم التي جعلته أكبر بكثير من عمره يقول ” حياتنا انقلبت رأسًا على عقب، زوجتي أكل الحُزن قلبها، كلما احتضنت احد أطفالي اشعر بالخوف يسري في عروقهم”. إن السؤال الذي يطرحه أخوة أحمد صبح مساء يقرع قلب الأم الثكلى: ” أين أحمد؟ هل ذهب للمستشفى؟ ألن يعود” ولا تجد الأم سوى البكاء لها مخرج وتبقى أسئلة الأطفال معلقة بلا إجابة.
موت أحمد كان الصدمة التي لم تفارق العائلة، الصمت المرعب الذي حل على هذه الأسرة بات لا يطاق، الخوف المزروع في وجه إخوته الصغار تراه بلا مقدمات. زوايا المنزل التي احتضنه لم يوقف بكاء والدته. بات العيش في منزل احتضن لحظة رحيل الطفل الأعز على قلب والديه قطعة من الجحيم، ولأن الوطن لم يعد يتسع للثكلى المجروحين قررت عائلة أحمد الهجرة من الأرض التي حملت دم أحمد والذي لم يجف حتى اليوم. لتخوض رحلة مصاعب جديدة في الهجرة الى تركيا ومصر ثم السويد.