أثارت تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التي أكد فيها استعداد بلاده تقديم المساعدة للمسيحيين بإعادة إعمار الكنائس والمعابد اليهودية في سوريا، تساؤلات كثيرة، لا سيما أن تلك التصريحات تأتي متزامنة مع اقتراب التوصل إلى تسوية سياسية في سوريا، والحرب على تنظيم الدولة شارفت على نهايتها.
وكان بوتين قال خلال اجتماع مع رؤساء وفود الكنائس الأرثوذكسية الاثنين الماضي، إنه: “من المهم أن يشرع البدء في إعادة بناء الكنائس والأضرحة اليهودية، ونحن على تواصل مع ممثلي اليهود في سوريا، وتحديدا مع بعض المنظمات اليهودية الأمريكية”.
فما هي دلالات هذه التصريحات الروسية غير المسبوقة، وما هي الرسائل التي أراد بوتين تمريرها من خلالها؟
تصريحات مستغربة
وفي تعليقه على تصريحات بوتين، رأى الكاتب الصحفي رائد جبر، أن التصريحات عن المسيحيين التي جاءت خلال استقبال أساقفة الأرثوذكس في العالم، هي استمرار للتصريحات الروسية المتكررة خلال العامين الماضيين عن ضرورة حماية المسيحيين في الشرق.
وأضاف لـ”عربي21” من موسكو،أن روسيا تحاول أن تقدم نفسها كحامي للمسحيين، ونظمت موسكو أكثر من مؤتمر دولي في العام الحالي لهذه الغاية، ولتؤكد أن وجودها في الشرق الأوسط ضروري لحماية الأقليات.
لكن وبحسب حبر، فإن الجديد والمستغرب في حديث بوتين هو دمج الملف المسيحي واليهودي في آن، وخصوصا إشارته إلى المنظمات اليهودية الأمريكية.
وقال جبر، “نحن أمام موقف جديد، من الصعب التكهن بما سيؤول إليه”، واستدرك “لكن لا استبعد أن تكون المؤسسات اليهودية تسعى إلى استغلال الوضع الحالي في سوريا، من أجل دفع الروس إلى إعادة بعض الممتلكات اليهودية ولربما أكثر من ذلك”.
وأردف، “علينا أن نتذكر بأن بوتين عند بداية تدخله المباشر في سوريا قدم لتل أبيب دبابة كانت قد خسرتها في حرب تشرين في العام 1973 كهدية بدلالات عالية”.
ومضى قائلا: “اعتقد أن هذه التصريحات بحاجة إلى التوضيح، وربما نحن بحاجة إلى معرفة كيف الممارسة السياسية الروسية ستترجمها على الأرض”.
الحصول على دعم مالي
من جانبه، ربط المحلل السياسي الدكتور محمود الحمزة، بيت تصريحات بوتين وبين رغبة بعض اليهود بالعودة إلى سوريا، التي وصلت إلى روسيا عن طريق أكثر من زيارة قامت بها الوفود اليهودية الأمريكية إلى موسكو خلال العامين الأخيرين.
وأكد الحمزة في حديثه لـ”عربي21” من موسكو، أن بوتين رحب برغبة اليهود بالعودة إلى سوريا.
والجانب الآخر الذي لا يجب إغفاله في تصريحات بوتين عن يهود سوريا، وفق الحمزة، هو الجانب المادي المتعلق بإعادة الإعمار.
وفي هذا الصدد قال: “من الواضح أن الحل اقترب في سوريا، وبالتالي فإن روسيا بحاجة ماسة إلى الدعم المادي لإعادة الإعمار، وهذا الدعم لا تستطيع روسيا أو إيران تأمينه بدون دعم اللوبي اليهودي”.
وأضاف الحمزة، “يبدو أن بوتين اتفق مع المنظمات اليهودية على تقديم خدمات لهم وتسهيل عودتهم مقابل تأمين الدعم المادي اللازم لمرحلة إعادة الإعمار”، وتساءل “أين هي المعابد اليهودية التي دمرت في سوريا”.
من السر إلى العلن
من جانبه، رأى المحلل السياسي فواز المفلح، في التصريحات الروسية الأخيرة حول اليهود في سوريا، “خروج للمحادثات التي تجري باستمرار بين روسيا والكيان الصهيوني منذ بداية الثورة السورية من السر إلى العلن”.
وأوضح المفلح في تصريحات لـ”عربي21“، هناك مطالب صهيونية كان الحديث عنها سرا، واليوم مع اقتراب الحل أراد بوتين أن يؤكد للكيان الصهيوني تعهده بتحقيقها.
وبحسب بعض التقديرات غير الرسمية، فإن أعداد اليهود في سوريا تقلصت ما بعد إقامة الدولة الصهيونية من نحو 30 ألف إلى ما دون الخمسة آلاف الذين توجه غالبيتهم إلى الولايات المتحدة الأمريكية .
المصدر: عربي 21