بعد إعلان الهدنة في جنوب غربي سوريا راود اللاجئين السوريين في الأردن الأمل في العودة إلى بلدهم بعد سنوات من اللجوء، لكنه أمل تبدد سريعاً؛ جراء الخروقات اليومية لهذه الهدنة، وفق ما ذكره عدد من هؤلاء اللاجئين.
وفي التاسع من يوليو/ تموز الماضي، بدأ سريان اتفاق لوقف إطلاق النار بين قوات نظام بشار الأسد، وقوات المعارضة جنوب غربي سوريا، بفضل اجتماعات غير معلنة، استمرت على مدار أشهر، بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والأردن.
غير أن آلة الحرب لم تصمت طويلاً، إذ تعرض العديد من مناطق الهدنة لسلسة خروقات من قبل قوات النظام، عبر استهداف العديد من الأحياء في محافظة درعا، المجاورة للمملكة الأردنية.
ووفق أحدث إحصائية للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن اللاجئين السوريين من محافظة درعا (جنوبي سوريا) هم الأكثر تسجيلاً في الأردن بعدد 275 ألف و558 لاجئا من أصل 657 ألفا و334 لاجئا سوريا في المملكة.
قذائف يومية
محمود الحايك (39 عاما)، من مدينة طفس غربي درعا، قال: “أتمنى العودة إلى بيتي في سوريا، لكن في أمن وأمان، وليس كما هو الحال الآن في ظل أصوات القذائف الذي نسمعه يوميا”.وأضاف: “أبنائي يتوسلون إلي بشكل يومي ألا نعود إلى هناك، فالحرب مرعبة ولا نريد أن نموت”.
ومضى الحايك قائلاً: “لا أحد يريد أن يبق مشتتا وبعيداً عن بيته ووطنه، لكن الظروف لا تسمح بذلك، ورغم كل ذلك نتمنى الوصول إلى حل اليوم قبل الغد كي نعود إلى سوريا”.
لا أمن مع بشار
“إذا توفر الأمن والأمان”، وفق بسام أحمد (50 عاماً)، من مدينة داعل شمالي درعا، “سنعود إلى بلدنا دون أي تفكير”، وهذا شرط يؤكد عليه الكثير من اللاجئين عند الحديث عن عودة محتملة إلى سوريا.
وأشار أحمد إلى أنه “لا أحد يتمنى أن يبق بعيداً عن مسقط رأسه وجيرانه وأهله ومدرسته وطفولته، وحياته التي أمضاها بحب وود مع الجميع. لا يعقل أن يفضل أي سوري في أي بلد كان أن يكون بعيداً عن بلاده التي يحبها”.
وذهب أحمد طلب (43 عاماً)، من مدينة جاسم شمال غربي درعا، إلى أنه “ما دام الأسد موجوداً، فليس هناك أمن ولا أمان، وبالنسبة لي لن أعود إلا إذا أجبرت على ذلك”.
ظروف العودة
وحول إمكانية عودة اللاجئين السوريين من الأردن إلى سوريا، قال المقدم نجم أبو المجد، القيادي في الجبهة الجنوبية (الجيش السوري الحر المعارض): “لا شك بأن عموم السوريين ينتظرون أن تضع الحرب أوزارها ليعودوا إلى وطنهم من أجل إعادة البناء والإعمار”.
وتابع أبو المجد، أن “موضوع الهدن يمثل بارقة أمل لهم، وخطوة نحو تحقيق حلمهم بسقوط الطاغية (يقصد بشار) وإطلاق المعتقلين من السجون، وأن يعيشوا حياة عز وفخار دفعوا ثمناً غالياً من أجلها”.
وزاد بأن “التفاهمات في الجنوب والغوطة وريف حمص وصولا إلى الشمال تمثل خطوة في هذا الاتجاه، لكن اتفاقات وتفاهمات وقف التصعيد لا يمكن أن تآخذ شرعيتها، إذا لم تتوفر الإرادة من الجميع، طرفي الصراع وكذلك الدول الراعية للوصول إلى قرار دولي، تحت سقف الأمم المتحدة”.
ووصف أبو المجد مسألة عودة اللاجئين بأنه “حلم قارب على التحقق مع اتفاقات وقف التصعيد.. السوريون خرجوا من بيوتهم بالملايين؛ خوفاً من بطش وظلم النظام، وبحثاً عن الأمان”. واعتبر أنه “لا يمكن أن نتحدث اليوم عن عودة اللاجئين، إذا لم تتوفر لهم شروط الحياة كلها، وخاصة الأمان”.
وشدد القائد العسكري على أنه “يجب أن يتحقق وقف إطلاق نار على امتداد الأرض السورية بقرار دولي، وكذلك تطهير سوريا من الإرهاب، المتمثل في تنظيم داعش”.
وأكد على ضرورة أن “يتزامن ذلك مع انتقال سياسي ينطلق من سوريا كاملة غير مجزأة، مع حملة إعادة إعمار، فمعظم مناطق سيطرة الجيش الحر تحتاج لكل مقومات الحياة.. لا توجد بنية تحتية، فقد دمرها النظام خلال سبع سنوات من الحرب”.
ومضى قائلا: “يوجد أكثر من 7 ملايين منزل مدمر أو غير قابل للسكن، إضافة إلى مئات المشافي وآلاف المدارس المدمرة.. والحديث اليوم عن عودة السوريين بعيد عن الواقع قبل تحقيق ما تقدم”.
ويرتبط الأردن مع جارته الشمالية سوريا بحدود طولها 375 كلم، مما المملكة من أكثر الدول استقبالاً للاجئين السوريين بعدد يصل إلى 1.3 مليون، نصفهم يحملون صفة “لاجئ”، في حين يتواجد الباقون في الأردن منذ قبل عام 2011، بحكم روابط النسب وعلاقات التجارة.
ويشار إلى أن نظام الأسد تسبب في مقتل ما لا يقل عن 350 ألف شخص في سوريا، وأجبر ما لا يقل عن 5 ملايين شخص، توزعوا في دول الجوار لسوريا وعدد من الدول الأوربية، فضلاً عن تسببه في نزوح نحو 7 ملايين شخص عن منازلهم.