في ظل مرارة اللجوء والحنين إلى الوطن، تكافح سوريات يعيشن في تركيا؛ من أجل تربية أطفالهن وأولادهن؛ كي لا يتأثروا بتداعيات الحرب في بلادهم، مع الحفاظ على أمل العودة يومًا ما إلى الأرض التي ولدن وتربين فيها.
ومع انقضاء قرابة سبعة أعوام على الحرب في سوريا، اضطرت الكثير من النساء إلى ترك منازلهن واللجوء إلى المخيمات في تركيا، هربًا من ويلات معارك أتت على الأخضر واليابس.
ورغم الألم الذي تعيشه النساء اللاتي فقدن أزواجهن أو أولادهن أو أقربائهن، إلا أنهن لم ينسين أنهن أمهات، ويواصلن القيام بواجبهن المقدس في تربية أولادهن، ودعائهن المستمر لانتهاء الحرب والعودة إلى بلدهن من جديد.
ومع اختلاف حكاياتهن والمآس اللاتي واجهنها إلا أن الحرب تعد ألمهن المشترك.
ويستضيف مخيم “سوروج”، بولاية شانلي أورفة، جنوبي تركيا، المقام من قبل إدارة الكوارث والطوارئ التركية (آفاد)، الكثير من النساء السوريات اللاتي هربن قبل قرابة 3 أعوام، من المعارك بين تنظيمي داعش و”ب ي د” الإرهابيين في مدينة عين العرب (كوباني)، الواقعة بريف محافظة حلب شمالي سوريا.
وتعرب الأمهات في المخيم عن امتنانهن للحكومة التركية، لما تقدمه من إمكانات وخدمات لهن في المخيم الذي يواصلن حياتهن فيه رغم خلو مدينتهن من الاشتباكات؛ لكنهن لا يستطعن العودة إليها بسبب ما يمارسه تنظيم “ب ي د” الذراع السوري لمنظمة “بي كا كا” الإرهابية، من اضطهاد.
وعلاوة على ما يقع على عاتقهن من واجبات منزلية كتحضير الطعام وغسل الملابس والتنظيف، إلا إنهن النساء يبذلن كل ما في وسعهن، لتربية أطفالهن، دون أن ينسين تخصيص وقت لأنفسهن للجلوس مع بعضهن البعض، ليتشاطرن أحزانهن وحكاياتهن.
وتحاول الأمهات الصبورات في المخيم، جاهدات نيسان الحرب والمعارك ومآسيهن ولو قليلًا من خلال حضور فعاليات اجتماعية مثل دورات تعلم الحاسوب والحياكة والرسم وتصفيف الشعر تجري في المخيم.
وأوضحت السورية “عفيفة حامد”، البالغة من العمر 18 عامًا، أنها كانت تقطن العاصمة دمشق سابقًا وأنها فقدت زوجها جراء الحرب، مشيرة أنها تكافح الآن من أجل أن يتعافى ابنها الوحيد من مرض فقر دم حوض البحر الأبيض المتوسط الذي أصابه منذ فترة.
وروت “عفيفة”، أنها اضطرت وزوجها ووالدتها وإخوتها إلى النزوح من دمشق لمنطقة خان العسل في حلب، بعد فقدانها لوالدها وأحد أشقاها، وبعدها لجأت أمها وباقي أشقائها إلى تركيا بعد تصاعد الاشتباكات في المنطقة والقصف المتواصل للطيران الحربي.
وأضافت “بقينا أنا وزوجي في المنطقة، ليذهب زوجي بعدها إلى منطقة قرب مدينة منبج (شمالي سوريا) للعمل إلا أن المقاتلات بدأت في قصف المنطقة ما أدى إلى استشهاده، ولم نصل حتى إلى جثته، لاضطر بعدها برفقة ولدي المريض إلى اللجوء لتركيا”.
وشرحت عفيفة، كيف تضطر والدتها البالغة 45 عامًا للذهاب إلى الحقول والعمل فيها من أجل مساعدة العائلة، في حين أنها تهتم بشؤون ابنها وإخوتها في الخيمة.
من جانبها، لفتت “نازة سعدون”، الأم لولدين والبالغة من العمر 29 عامًا، أنها هربت من مدينة “عين العرب”، بسبب المعارك فيها ولجأت إلى تركيا، وتواصل حياتها في المخيم بأفضل حال، على حد قولها
وأوضحت “سعدون” أن هناك حنين كبير لمنزلها ووطنها، وعما يقدم لها في المخيم قالت، “يلبون كافة احتياجاتنا هنا، ولا نواجه أية مشاكل، لذلك نشكر تركيا، فزوجي يستطيع الخروج والعمل، وابني يتوجه إلى المدرسة ولكن يبقى الشوق للوطن أمر مقلق لنا”.
وأكدت أنها ترغب في العودة إلى مدينتها وتربية أبنائها هناك إلا أن ضعف الإمكانات بالمدينة يحول دون ذلك، بحسب ما قالت.
بدورها، قالت هيفين رشيد، المُدّرسة والأم لطفلين، إنهم قدموا من عين العرب، حين اندلعت الاشتباكات وعادوا إليها بعد انتهائها إلى أنهم فضلوا الرجوع إلى تركيا مجددًا لعدم وجود مقومات حياة في المدينة.
وأبدت هيفين، سرورها لتمكنها من العمل في وظيفتها داخل مخيم اللجوء الذي تعيش به.
وأضافت: “شعور مختلف أن تكون قادرًا على ممارسة مهنتك هنا، كما أن زوجي معلم أيضًا، فنحن هنا من أجل مستقبل أبنائنا ونحمد الله أن بإمكاننا الاهتمام بهم هنا بشكل أفضل”.
أمّا فاطمة مصطفى (18 عامًا)، لفتت أنها تزوجت في المخيم بعد فترة من لجوئها إليه، إلا أنه طلبت الطلاق بعد تعرضها لمعاملة سيئة وعنف من قبل زوجها، لتكتشف أنها حامل في الشهر الرابع.
وأشارت فاطمة، إلى أنها عانت كثيرًا وفقدت العديد من أقاربها جراء الحرب في سوريا.
وقالت إن الجنين الذي في بطنها هو ما يجعلها متعلقة بالحياة الآن.