شبكة العاصمة اونلاين
إيثار عبدالحق
هل هي مجرد مصادفة، أم رسالة مقصودة، أن تختار تركيا، ونعني بها هنا الرئيس “أردوغان” تحديدا.. أن تختار يوم دخول السلطان سليم الأول إلى بلاد الشام من بوابة مرج دابق، يوما لإعلان وبدء تدخلها في شمال سوريا؟
هل يعيد التاريخ نفسه –أو يراد له أن يعاد ولو جزئيا- باختيار هذا اليوم 24 آب/أغسطس دون غيره، وهل هناك رسالة واحدة مفادها أن “هاقد عدنا يا سوريا”، أم رسائل أخرى من قبيل أن “هاقد عاد زمن العثمانيون.. زمن الدولة العلية، والسلاطين”؟!
لاشك أن للوضع الجيوسياسي الحالي في المنطقة -والعالم ككل- كلاما آخر، وربما مغايرا، للرسائل (الأهداف) التركية ما ظهر منها وما خفي، علما أن هذه الأهداف تشكل عمود الخطاب والتفكير الذي يستند إليه “أردوغان” في كل حديث علني له عن تركيا الحاضر والمستقبل، التي ينبغي عليها أن تستعيد ماضيها –أو تلوذ به على الأقل- إذا ما أرادت أن تحجز مكانا لها بين الأقوياء، وفق استراتيجية “تركيا 2023” التي بقي أمامها 7 سنوات، لايعلم أحد هل ستكون خصبة أم عجافا أم بين بين، وهل ستبلغ تركيا هدفها المنشود أم ستتجاوزه إلى أهداف أعلى لم تكن ضمن الخطة.
في 24 آب/أغسطس 1516، غيّر “السلطان سليم الأول” وجهة “فتوحات العثمانيين”، وغيّر معها وجه المنطقة والعالم لمئات السنين، عندما هزم المماليك في وقعة مرج دابق، التي كانت بوابته إلى بلاد الشام وما يليها ويجاورها، من مناطق كانت وما زالت وستبقى “مفتاحية” بحكم الجغرافيا.. الثابت الذي لايقبل التبدل، ولا يمكن لأحد التحايل عليه.
وفي 24 أغسطس/ آب 2016، أي بعد 500 سنة بالتمام والكمال، اختار “أردوغان” لحظة البدء بتدخله البري في سوريا عبر بوابة جرابلس، في عملية سماها “درع الفرات”، هدفها المعلن والقريب “تطهير المنطقة الحدودية من التنظيمات الإرهابية”، وفق وصف الإعلام التركي الرسمي للعملية.
لن يدخل “أردوغان” كما دخل “سليم الأول” من بوابة “دابق” بل سيدخل من “جرابلس” التي تبعد عن الأولى نحو 85 كيلومترا، وتقع إلى شمال شرقها، حيث لم يعد السؤال الحالي لدى أنقرة: “من أين ندخل إلى سوريا؟”، بل: “لماذا لا ندخلها فعلا؟”، لاسيما أن عملية “تطهير” الجيش التركي قد اكتملت أو أوشكت على الاكتمال بفضل الحركة الانقلابية الفاشلة، وأن جبهة الحكومة والمعارضة في أقوى صور تلاحمها وتوافقها، وعلاقات “قصر بيش تبه” (مقر المجمع الرئاسي في أنقرة) تخففت من شحنات التوتر التي كانت تحملها إزاء عواصم ذات ثقل ترجيحي في مسار المسالة السورية.
خلاصة القول: سواء عاد “سليم الأول” (ياووز، القاطع) بثياب “أردوغان” أو وجهه، وسواء كان توقيت عودته مقصودا أو اعتباطيا، وسواء كانت لـ”أردوغان” أهداف تشابه –بدرجة أو بأخرى- أهداف السلطان سليم.. وسواء سمح الوضع الجيوسياسي الحالي بتحقيقها أم لا.. فإن الثابت أن تركيا دخلت بشكل عسكري صريح وقوي -وللمرة الأولى منذ 5 قرون- إلى سوريا، والأهم منذ خروج العثمانيين منها قبل نحو قرن من الزمن.
المصدر : زمان الوصل