بعد ملايين القذائف، وآلاف المجازر، وعشرات آلاف الضحايا، فجأة اكتشف النظام السوري ذو القلب الرقيق، أن هناك بحلب المذبوحة مدنيين!!
لكم كانت كبيرة صدمة النظام السوري، وخلفه النظام الدولي الذي يسانده، حين عرفوا هذا السر الخطير الذي حاول الثوار دائمًا إخفاءه بأن حلب المحررة تحوي ما لا يقل عن 300 ألف مدني.
طبعًا النظام السوري الممانع الغيور على بلده وشعبه قرَّر أن يفتح معابر إنسانية لخروج المدنيين من حلب، حرصًا على سلامتهم، فحرب النظام موجَّهة فقط ضد الإرهاب، وهكذا تزداد قاعدته الشعبية، ويحسِّن من صورته الدولية، ويفرِّغ حلب من أعدائه.
طبعًا إعلان النظام السوري عن فتح معابر للمدنيين ما هو إلا اعتراف ضمني بأنه كان يقصفهم طوال السنوات الأربع الماضية.
غاية النظام -التي بات القاصي والداني يعرفها- هي تفريغ حلب من أهلها تمامًا كالقصير، ومدينة حمص، والزبداني، وذلك استكمالًا لمشروع التغيير الديموغرافي الذي ترعاه إيران الصفوية.
فيبدو أن حُلم الهلال الشيعي قد اقترب أكثر من الواقع، بعد حصار حلب التي تعد خزان السنة البشري في سورية، والعاصمة الاقتصادية ذات المكانة التاريخية والسياسية المعروفة.
السيناريو المتوقع الآن هو محاولة إخلاء حلب من سكانها وثوارها بأي شكل، ثم عمليات أدلجة ثقافية واجتماعية ودينية لسكان حلب بشقيها، بغية تحولهم للدين الشيعي، ويساعد ذلك أن الضعاف والسذج ينقادون للأقوى، الذي يبدو أنه سيكون النظام.
من سيخرج من المدينة من الثوار سيتجه نحو ريف حلب الغربي وإدلب، التي ستتحول لمنطقة مكتظة أشبه ما تكون بقطاع غزة، وسيصبح معبر باب الهوى هو معبر رفح السوري، وسيصبح ورقة ضغط على الثوار، وفتحه وإغلاقه يكون خاضعًا لسياسات دولية، وتجاذبات إقليمية.
طبعًا لن يكون معبر باب الهوى بعيدًا عن التهديد بسبب قرب الأحزاب الكردية الانفصالية في عفرين منه.
وستنشأ في سورية أربعة كيانات:
الكيان الأول: النظام الذي يسيطر على العاصمة والساحل وحلب، أو ما يُسمَّى اختصارًا بسورية المفيدة، طبعًا سيكون مجرد اسم، والنفوذ الحقيقي تتجاذبه روسيا وإيران.
الكيان الثاني: الإقليم الكردي الانفصالي في شمالي سورية، وتسيطر عليه الأحزاب الانفصالية، وسيكون خاضعًا تمامًا للهيمنة الأمريكية حتى تضغط به على باقي الأطراف، وأولها تركيا.
الكيان الثالث: هو منطقة سيطرة الثوار، ويشمل إدلب وغربي حلب، وقسمًا من ريف حماة الشمالي، وقسمًا من اللاذقية، وسيكون خاضعًا للفصائل الثورية، ويغلب عليه الطابع الإسلامي، وذلك تبعًا لأن الفصائل الأقوى في تلك المناطق وهي الإسلامية ستعاني من أزمات عديدة، تخص الاقتتالات الداخلية والخدمات والحصار.
الكيان الرابع: منطقة داعش، وهي المنطقة الصحراوية التي قد تنمو لتسيطر على منابع النفط، وقد تتقلص لتشمل فقط البادية السورية القريبة من العراق، وستكون منطقة شدٍّ وجذب واستنزاف لكيان داعش والنظام والأكراد، على حد سواء.
حصار حلب لا يزال بأوله، ولا تزال الفصائل تملك القوة الكافية لتتوحد وتقلب الطاولة على المخططات المرسومة للمنطقة، لكن ما ينقصها هو استقلالية القرار، والوقت للتحرك، وهذان العاملان أهم عوامل تقدم النظام عليها، فالنظام قراره السياسي والعسكري واحد، يشمل قواته والميليشيات المساندة له، وخططه كلها تعتمد على النَّفَس الطويل والإمكانات غير المحدودة التي يمتلكها، ومخطط حصار حلب لو تتبعنا سير المعارك العسكرية لوجدناه يعود لعام 2013، تحديدًا لأيام معركة خناصر والسفيرة، قد تكون الفصائل نجحت في عرقلة النظام عن مخططه، وتكبيده بعض الخسائر، لكنها لم تنجح في إخراج نفسها من المسار الذي رسمه النظام لها.
استمع لبث راديو العاصمة بالضغط على زر التشغيل في الأعلى، وانتظر 30 ثانية ليبدأ البث في أجهزة الموبايل.