وفي الوقت الذي يتجه فيه الدنماركيون نحو متاجر مدنهم لشراء هدايا عيد الميلاد، والاستمتاع بالإضاءة والزينة المنتشرة فيها، فإن عقدا كثيرة تعيشها مفاوضات تمرير موازنة 2018 لتصويت أغلبية برلمانية عليها قبل الذهاب إلى عطلة الميلاد.
وتطغى قضية الهجرة، بشكل لافت، على قضايا ذات أولوية في المجتمع الدنماركي. وللتصويت على كامل الموازنة العامة لابد من مفاوضات حزبية، خصوصا “الشعب الدنماركي”، بما يشكله من قاعدة برلمانية لحكومة الائتلاف الليبرالي-المحافظ.
ويلحظ المراقبون أن كلمة “أجانب”، هذا العام، تجاوزت مواضيع ذات أهمية كالرفاهية وكبار السن والصحة والأمن. وفي كل صفحة من الـ60 بمسودة المقترح، ترد كلمة “أجانب” مرة على الأقل، فيما قضايا مثل “الصحة” لم ترد سوى 39 مرة، ووردت “الرعاية الاجتماعية” 6 مرات فقط، ومنها 4 مرات في موضع الحديث عن الرفق بالحيوان.
ويشير ما يجري في الدنمارك إلى أن قضية اللاجئين تحتل مكانة متقدمة لدى أحزاب اليمين ويمين الوسط، وجدلا حول كل “كرون” يُدفع في هذا الاتجاه. اليمين يذهب إلى ربط القضية بما تصرفه البلاد على هؤلاء، كمدخل لجذب الجمهور المتابع.
أما مطالب “الشعب” المتشدد، فإنها واضحة حول اللاجئين السوريين “فهم مقيمون بصفة مؤقتة، وعليهم أن يعودوا ليساهموا في إعادة إعمار بلدهم”، بحسب ما يحاجج مارتن هينركسن. وبرزت أولى ثمرات ضغط اليمين المتشدد في توصله إلى اتفاق مبدئي مع الليبراليين على تخصيص ما يقرب من 315 مليون كرون (حوالي 50 مليون دولار) لإجراءات صارمة في قانون الإقامة، ونصف المبلغ سيستخدم خلال 2018، بزيادة الموظفين لتسريع إجراءات الترحيل.
هذا التركيز على قضايا الهجرة واللجوء، برأي الباحث المتخصص في الانتخابات مارتن لارسن من جامعة كوبنهاغن، “أمر يُفسر بمحاولة الحزب جذب ذلك الجزء من الناخبين الساخطين على سياسة الهجرة، أكثر من هؤلاء الذين يناصرونه بطبيعة الحال، في رفعه للواء قضايا الرفاهية والرعاية الصحية والضريبة”. وبرأي لارسن، فإنها “محاولة لشد أزر ناخبيه المتفقين أساسا على تشديد سياسة الهجرة، واعتبارها قضية مبدئية”.
ويصف اليسار سياسة حزب الشعب بـ”الانتهازية”، لتمرير استهداف اللاجئين، والسوريين منهم بشكل خاص، “انطلاقا من نظرة مبدئية سياسية وثقافية، ترى في الربيع العربي خطرا على أوروبا، وهؤلاء (اليمين المتشدد) لا يترددون في التعبير عن دعمهم للأنظمة الديكتاتورية في العالم العربي، باعتبارها دولا قريبة لأوروبا، ويتفق مع بقية اليمين المتطرف في القارة في الخوف من هجرة بأعداد كبيرة”، بحسب ما يوضح الباحث في شأن الهجرة جون فيسترغوورد، لـ”العربي الجديد”.
ومن بين كثير من المقترحات الأخرى، يريد اليمين المتشدد تطبيق سياسات متشددة، خلال الفترة القادمة، وتشمل: وقف سياسة الدمج، إذ يضع الحزب على طاولة وزيرة الهجرة، إنغا ستويبرغ، مطلب الوقف التام لـ”سياسة دمج اللاجئين والصرف عليهم”. وينطلق مع شخصيات برلمانية أخرى من يمين الوسط (كأعضاء المحافظين في الحكومة) من نظرة لا ترى ضرورة للصرف على دمج لاجئين مؤقتين “إذ سيعادون إلى بلدهم حين تسنح الفرصة”. ويسعى إلى “التركيز على منطلقات جديدة بدل خلق حالة تكديس لاجئين عندنا. وذلك يتطلب تسريع إعادة السوريين لإعادة إعمار بلدهم”، بحسب هينركسن.
أما المقترح الثاني، فهو وقف تدريس الأطفال من ذات النظرة يذهب إلى مطلب مثير يتعلق بحقوق الأطفال، “فهؤلاء لا يجب أن يكونوا جزءا من العملية التعليمية في المدارس الدنماركية”، وهو مصرّ على قبول مقترحه.
ويتوسع في تمرير تشدده نحو “أهالي أطفال اللاجئين، لا يجب أن يسمح لهم، باعتبار إقامتهم مؤقتة، بأن يصبحوا جزءا من سوق العمل”. عمليا يطالب الحزب بإخراج مئات، إن لم يكن آلاف، من متابعي دراستهم في الدنمارك، ومنع اللاجئين بإقامة محدودة الزمن، من الولوج إلى سوق العمل.
ويثير المقترح الأخير جدلا قانونيا وحقوقيا ميثاقيا ملزما للدنمارك دوليا، خصوصا مع ترك وزيرة الهجرة ستويبرغ الباب مواربا. فعقد كثيرة تقف في طريق إقصاء الأطفال عن المدارس واللاجئين عن العمل. وزارة المالية لا يمكنها الاستجابة لمطلب إلغاء ميزانية تعليم الأطفال، فيما وزارة الهجرة ستحتاج إلى غطاء قانوني لتنفيذ أي اتفاق في الشأنين.
وبالرغم من اختلاف الطرفين، خصوصا معارضة حزب “ائتلاف الليبراليين” الشريك في حكومة يمين الوسط لمطالب التشدد، إلا أنه “يبدو وجود تقارب فيما يتعلق بنقطة أصحاب الإقامات المؤقتة وإعادتهم إلى بلدهم”، بحسب تقدير فيسترغوورد.
4200 سوري… قلق حول المصير
رئيس وزراء الدنمارك، لارس لوكا راسموسن، ترك الباب مواربا، يوم الجمعة، لمطلب “دراسة ترحيل اللاجئين بصفة مؤقتة”. فبالنسبة له “يستحق الأمر أن ننظر فيه بالنسبة للحاصلين على حماية مؤقتة، وذلك يتطلب البحث في ظروف إعادتهم”.
فيما عبّر عدد كبير من السوريين العاملين عن قلقهم ودهشتهم، حين استطلع “العربي الجديد” آراءهم، فالبنسبة لمحمد، مبرمج كمبيوتر في شركة دنماركية في آرهوس “يُعتبر النقاش كابوسا يجعلك بصفة دائمة تحت رحمة التفكير في أنك سترحل عن البلد”.
ولا يختلف الأمر لدى الثلاثينية السورية “منار” اللاجئة منذ 2015 والمهندسة في شركة إعمار “بعد عامين بدأت الاندماج والعمل في مجالي، لكن يبدو أن أفق حصولي على عقد كامل ودائم ليس جيدا، بحسب ما أخبرني نقابي مسؤول عن توظيفي”. منار تذكر “بالطبع أريد أن أبني بلدي، وأفهم من يسأل لماذا لا نعود ونعيد إعمار بلدنا، لكن ذلك يتطلب أن يتدخل المطالبون ليكون هناك أمان في بلدنا، لا أن يرمونا إلى نظام يقترف جرائم ويدمر ويعتقل خيرة أبناء البلد”.
ولدى الأسر اللاجئة “قلق من أن يصبح أطفالنا رهائن نظرة المحيط بأنه لا داعي لأن يكونوا جزءا من عملية تعليمية، وهذا أغرب اقتراح أسمعه في حياتي، فحق الطفل حتى في السجون أن يتلقى التعليم”، بحسب ما تصف “أم زين” القادمة من دمشق، والتي تضيف “كيف يريد اليمين المتطرف أن يحضر اللاجئون من مطار دمشق إلى مطار بيلوند؟ (مطار دولي يغطي شبه جزيرة جوتلاند غرب الدنمارك) هل من المعقول أن لاجئا يغادر بالطائرة من عاصمة بلد أولا هو ملاحق فيها، وثانيا لا طيران مباشرا بينها وبين هذا المطار، هذا مقترح سخيف”.
هؤلاء السوريون الذين استطلع “العربي الجديد” آراءهم هم جزء من مجموعة من حوالي 4 آلاف إنسان وصلوا الدنمارك منذ عامين ونصف العام، وبدأت تطبق عليهم قوانين الإقامة المشددة مع مطلع 2015.