منذ يوم الجمعة الماضي، تعيش مدينة القدس، واقعا جديدًا تفرضه إسرائيل، التي استغلت عملية إطلاق نار في باحات المسجد الأقصى، لتفرض إجراءات جديدة هي الأولى من نوعها، منذ احتلالها للمدينة في العام 1967. ومن أهم تلك الإجراءات، إغلاق المسجد الأقصى أمام المصلين للمرة الأولى منذ احتلاله، قبل نصف قرن، ومنع الصلاة وإقامة الأذان فيه، قبل أن تعيد فتحه الأحد، تحت تشديدات أمنية غير مسبوقة.
وبدأت حكومة الاحتلال الإسرائيلي أمس، في تنفيذ إجراءات “دائمة”، حيث نصبت على اثنتين من بوابات المسجد الأقصى (الأسباط والمجلس)، أبوابًا الكترونية، يجب على المصلين تجاوزها قبل دخول باحات المسجد، وذلك تنفيذًا لقرار رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بعد تشاوره مع وزراء ومسؤولين أمنيين. ومن المتوقع أن تنصب مزيدًا من الأبواب الالكترونية على باقي بوابات المسجد الأقصى.
ولكن المصلين الفلسطينيين، وعلى رأسهم مدير المسجد الأقصى عمر الكسواني، وموظفو دائرة الأوقاف (التابعة للحكومة الأردنية)، رفضوا الأحد، المرور عبر هذه البوابات، وفضلوا إقامة الصلاة خارج حدود الحرم الشريف. وبقي العشرات من المصلين معتصمون أمام “باب الأسباط”، يرفضون الدخول عبر الأبواب الالكترونية.
ولا تخفي إسرائيل أهدافها الكامنة، بالسيطرة الكاملة على المسجد الأقصى والبلدة القديمة المحيطة به، ويتضح ذلك بالتصريحات التي أدلى بها وزير الأمن الداخلي “جلعاد آردان”، الذي قال إن “إسرائيل هي صاحبة السيادة في الجبل (المسجد الأقصى-الحرم القدسي)، وموقف الدول الأخرى ليس مهما، وإذا تقرر أن خطوة معينة لها أهمية معينة، فسيتم تنفيذها”.
وقال:” إسرائيل سيدة المكان، ولسنا بحاجة لتوصيات من أحد دون النظر إلى آراء الآخرين، الأردن أو غيرها من الدول، ما نراه ضروريا نفعله”.
كما وافقت الحكومة الإسرائيلية أمس الأحد، على مشروع قانون يمنع تقسيم القدس دون موافقة 80 عضو كنيست (البرلمان)، والذي في حال المصادقة عليه؛ سيعزز من تمسك إسرائيل بعدم اعترافها بالقدس الشرقية التي تضم المسجد الأقصى والبلدة القديمة، بأنها مدينة محتلة.
ويقول حنا عيسى، أمين عام الهيئة الاسلامية المسيحية ، إن إسرائيل ارتكبت سابقة خطيرة بإغلاق المسجد الأقصى، مؤكدا أنه لم يغلق أمام المصلين منذ نحو 800 عام.
وقال “عيسى”، إن المسجد الأقصى لم يغلق منذ 800 عام رغم الحروب العديدة التي شهدتها مدينة القدس.
وبين “عيسى” الذي يعمل أستاذا وباحثا في التاريخ والقانون الدولي، أن السلطات الإسرائيلية “تشن حربا شرسة على المسجد والأماكن المقدسة في مدينة القدس”.
وقال:” اغلاق المسجد جريمة حرب وعدوان على موقع مقدس يعود ملكه للمسلمين فقط دون غيرهم”.
وتابع:” هذه الإجراءات تستهدف تقسيم المسجد رسميا زمانيا ومكانيا بين المسلمين واليهود، الأمر الذي يؤدي إلى حرب دينية في المنطقة لا يحمد عقباها”.
وقال:” القدس الشرقية أرض فلسطينية محتلة وفقا لقرارات الشرعية الدولية، وجميع الإجراءات الإسرائيلية في فيها باطلة وغير شرعية وعلى إسرائيل الانسحاب منها دون قيد أو شرط”.
وأردف قائلا:” إسرائيل لا تملك أي حق قانوني في أي جزء من القدس الشرقية استنادًا لقواعد القانون الدولي”.
بدوره، يقول المحلل السياسي المختص بشؤون القدس مهدي عبد الهادي إن إسرائيل تنفذ حاليا مخططا لتغيير “الواقع السياسي والتاريخي والديني والمجتمعي للمسجد الأقصى المبارك المفروض منذ العهد العثماني”.
وأضاف:” منذ احتلال القدس في العام 1967، وتعمل إسرائيل على تغيير هذا الواقع من بالتغلغل في البلدة القديمة من القدس، من خلال تعزيز الوجود السكاني اليهودي فيها، وإقامة كنس ومدارس يهودية أيضًا”.
ويتابع عبد الهادي:” بعد ذلك أصبحت السلطات الإسرائيلية تسمح باقتحامات المستوطنين لباحات المسجد الأقصى، وإقامة الصلوات التلمودية فيه، حتى تتمكن من السيطرة على المكان وإدارة الصراع، وذلك كله بقوة السلاح”.
ويرى المحلل عبد الهادي أن “إسرائيل استغلت عملية إطلاق النار التي وقعت يوم الجمعة الماضي، حتى تحاول إعادة تنفيذ مخططها القديم – الجديد، وهو نصب أبواب الكترونية على مداخل وبوابات المسجد الأقصى، حتى تسيطر على المكان بشكل أكبر، وتعزيز وجودها العسكري على بوابات المسجد وحتى في داخله”.
ويؤكد أن “أجندة إسرائيل تتضمن فرض سيطرة أمنية فعلية على المكان، وتغيير الوضع القائم نهائيا لصالحها، وتقييد دخول الفلسطينيين وخروجهم إلى ومن المسجد”.
ويتابع عبد الهادي قائلا “القوة الأمنية الإسرائيلية تسيطر بشكل كامل على المكان بقرار رئاسي من نتنياهو”.
ويضيف:” المجتمع المدني المقدسي اليوم أمام تحدٍ كبير وهو يواجه هذا التغيير لواقع المسجد الأقصى وحيدًا”.
وقال:” إسرائيل منذ سنوات التسعينيات، وهي تعمل على تغيير الواقع في المسجد الأقصى، وذلك على عدة مراحل، فبدأت باحتلاله، والسيطرة بشكل كامل على بعض أجزائه، ومن ثم فرض اقتحامات المتطرفين اليهود في الباحات، أما الآن فالمسجد يدخل مرحلة جديدة خطيرة جدًا”.
وبيّن عبد الهادي أن “إسرائيل تسعى إلى تكرار ما حدث في الحرم الإبراهيمي في الخليل من احتلال وتقسيم، في المسجد الأقصى، وذلك رغم قرار اليونسكو الذي يعترف بالمسجدين بأنهما موقعان إسلاميان”.
ويعتقد عبد الهادي أن إسرائيل تخشى “انفجار الشارع الفلسطيني بشكل عام، والمقدسي بشكل خاص في وجه مخططاتها الرامية للسيطرة على المسجد الأقصى”، وهو ما يجعلها تقوم بتنفيذها بشكل تدريجي.
وحذر من تحول الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين على إثر ذلك إلى “صراع ديني قد تمتد تأثيراته إلى خارج فلسطين”.
من جانبه، يرى ناصر الهدمي، رئيس الهيئة المقدسية لمناهضة التهويد، أن “إسرائيل تعمل على إنهاء سيطرة دائرة الأوقاف التابعة للمملكة الأردنية، على المسجد”.
وأضاف:” التحول الخطير يكمن في سعي إسرائيل إلى إدارة الأقصى من الداخل، والسيطرة على الموظفين والحراس والمرافق والساحات، ونزع كل صلاحيات الأوقاف داخل الحرم”.
وتابع الهدمي:” في السابق، كان الاحتلال يسيطر على مداخل وبوابات الحرم القدسي، فكان يمنع دخول بعض المصلين أو الموظفين في الأوقاف، أو إدخال مواد البناء والترميم، إلا أن الوضع بعد عملية القدس أصبح مختلفًا، هناك نية إسرائيلية لسيطرة كاملة على الأقصى، داخليا وخارجيًا”.
ولم يستبعد إلحاق المسجد الأقصى بوزارة الأديان الإسرائيلية.
وأضاف:” في حال حصول ذلك، فإننا سنفتقد السيطرة كليا على المسجد، وستتحكم إسرائيل بكل تفصيل دقيق يحصل فيه”.
ويرى الهدمي أن عملية القدس، ما هي إلا ذريعة للإسرائيليين لتنفيذ مخططاتهم وأجندتهم، فسواء حدثت عملية إطلاق النار أم لم تحدث، كانت إسرائيل ستنفذ هذه الإجراءات، حسب قوله.
وقال: “الصمت وردة الفعل العربية الضعيفة إزاء ما حصل خلال الثلاثة أيام الماضية، دليل على أن إسرائيل ماضية بمخططاتها داخل وفي محيط المسجد الأقصى”.
وأضاف:” الإجراءات الإسرائيلية التي وصفت بأنها في إطار الرد على عملية القدس، هدفها ليس أمني بقدر ما هو سياسي، فالبوابات الالكترونية، تهدف بالأساس إلى عرقلة وصول المصلين الفلسطينيين إلى المسجد، وتخفيض أعدادهم داخله لأكبر قدر ممكن”.