الاختفاء القسري: سوريون أثرٌ بعد عين
شبكة العاصمة اونلاين – خاص
سلسلبيل زين الدين
على الرغم من أن الاختفاء القسري يُعتبر جريمة ضد الإنسانية متى ما ارتكب في إطار خطة أو سياسة عامة أو في إطار عملية ارتكاب واسعة النطاق، إلا أن تبعات الاختفاء القسري تُعتر بمثابة امتداد لعمليات تعذيب مستمرة للمجتمع السوري وجرح غائر لا يندمل، ولا زال الشعب السوري إلى اليوم يعاني من جرائم الاختفاء القسري في ثمانينيات القرن الماضي في حماة وحلب وإدلب.
مع اندلاع شرارة الأحداث السورية عام 2011 وحتى الآن تتصاعد عمليات الاعتقال بالتوازي مع أعداد المختفين قسرياً، حيث تتعدد الأطراف المسؤولة عنه أو التي تمارسه في سوريا بسبب تعدد السلطات المسيطرة على الأراضي فيها، كقوات نظام الاسد التي تفرض أكبر مستوى من السيطرة مقابل الأطراف الأخرى التي تمارس نفس الانتهاك، وهي: قوات “الإدارة الذاتية” الكردية، وما يُعرف باسم “تنظيم الدولة الإسلامية – داعش”، وفصائل المعارضة المسلحة.
وتبدأ رحلة الاختفاء القسري بانتزاع الفرد من بين أفراد اسرته بمشهد أقل من انساني، وأحيانًا بظروف مجهولة، مما يترتب على اختفائه ويلات تلاحق اهله، لا يعلمون مصيره أهو حي أم ميت، و يتم رفض الكشف عن مكان وجوده أو الإدلاء بأي معلومة عنه، وهو ما يمثل، قانونياً وأخلاقياً، جريمة ضد الإنسانية.
ما معنى الاختفاء القسري؟
في التعريف القانوني للاختفاء القسري، والذي تضمنته المادة (2) من “الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري”، فهو يعني “الاعتقال أو الاحتجاز أو الاختطاف أو أي شكل من أشكال الحرمان من الحرية يتم على أيدي موظفي الدولة، أو أشخاص أو مجموعات من الأفراد يتصرفون بإذن أو دعم من الدولة أو بموافقتها، ويعقبه رفض الاعتراف بحرمان الشخص من حريته أو إخفاء مصير الشخص المختفي أو مكان وجوده، مما يحرمه من حماية القانون”.
أرقام هائلة:
وفي تقرير للمرصد الأورمتوسطي يرصد اعداد أفراد الاختفاء القسري، فذكر أن وجود قرابة (117 ألف معتقل لدى القوات الحكومية، منهم قرابة (65) ألفاً يمكن اعتبارهم مختفون قسرياً. بينما رصدت (352 ) حالة إخفاء قسري لدى قوات «الإدارة الذاتية » الكردية. وتقدر حالات الاختفاء القسري الي حصلت على يد قوات «تنظيم داعش »، بما لايقل عن (1122) حالة. اما عن جبهة النصرة بما لا يقل عن ( 876) حالة. وتُقدر حالات الاختفاء القسري الي حصلت على يد فصائل المعارضة المسلحة أو في المناطق الي تخضع لسيطرتها، بما لا يقل عن (211) حالة.
و لاتزال قضايا الاختفاء القسري معلقة الى هذا اليوم وتزداد الرقعة بالاتساع مع انتشار الشبكات والمجموعات الظلامية التي تنتشر في جميع أنحاء سوريا، حيث تمتلك هذه الشبكات سجون خاصة بعيدة عن عيون السلطات الحاكمة، وأغلبها تحمل صبغة طائفية وذلك نتيجة لتصرفات السلطات الحاكمة الأكثر تطرفًا واجرامًا. وتبقى هذه الحرب الضروس بين الأطراف المتنازعة ترمي بثقلها على أبناء سوريا مودية بأرواحهم الى المجهول.
وحتى اللحظة لم يوجد أي مبادرات أو محاولات لحل هذه القضية السياسية والاجتماعية في وقت واحد، حيث تقف حياة أهالي المختفي معلقة بين الرجاء والأمل والخوف. فزوجة المختطف لا يمكن أن تتزوج وكما لايستطيع الأهالي اقتسام المراث لعدم وجود شهادة وفاة، حيث أن أغلب الأسر لا تجرؤ أساساً على الاتصال مع تظام الاسد والسؤال عن مصير أبنائها، فالبحث عن الحقيقة قد يعرّض العائلة للخطر. ويزداد الوضع سوءا مع عدم قدرة العائلة على استلام المعاش أو الراتب التقاعدي للضحية دون إبراز شهادة وفاة له.
تبقى شعرة الأمل هي الوصلة الوحيدة بين المختطف واهله، امل بعودته ومحاسبة المختطفين، و باعتبار الاختفاء القسري جريمة ضد الإنسانية، فهي بالتالي لا تخضع لقانون التقادم، بمعنى أن محاسبة من قام باقترافها تبقى مفتوحة إلى أن تتم، وهي تعطي أسر الضحايا الحق في طلب التعويض، ومعرفة الحقيقة حول مصير أبنائهم المختفين.