شبكة العاصمة اونلاين – عن طبيب جاء لتركيا بعد أن كان في الغوطة
في بداية الشهر السابع عام 2012 كانت دوما تلملم جراحها بعد مجزرة أودت بحياة 300 من أبنائها في اقتحام همجي لقوات الأسد
أتى رجل في الاربعينيات من عمره إلى شعبة الهلال الأحمر في دوما التي كانت قد واصلت عملها بعد انقطاع لم يتجاوز 3 أيام بعد أن فقدت عدة من متطوعيها معتقلين
كان يريد من سيارة الهلال الأحمر أن تذهب لدمشق لتحضر له ابنه و عند السؤال اكتشفنا أنه مع عائلته كان ضحية مجزرة فقد فيها زوجته و ابنه و ابنته و جميع اخوته مع زوجاتهم و ابنائهم و نجا هو و ابنته ذت العشر اعوام و ابنه معتصم ذو الاحدى عشر شهرا و قد اخبره احد الأشخاص أن ابنه في أحد مشافي دمشق و جاء طالبا المساعدة مع ابنته فاطمة لنجلب معتصم.
كانت دمشق تعيش اشتباكات الميدان وقتها و كانت أجزاء كبيرة من دمشق مغلقة و من الصعب تحريك سيارة هلال أحمر خصوصاً أن آخر سيارة استهدفت باعتقال طاقمها كاملا يوم المجزرة
بحثت عن حل و وجدت أن سيارة مدنية ستكون أكثر قدرة على الحركة و طلبت من أحد الأصدقاء سيارته و من صديق آخر أن يقودها و ذهب الأب مع حماته ليجلبو معتصم الذي كان عيد ميلاده الأول بعد أيام
معتصم مصاب بطلق ناري في البطن على يد جزار صف عائلة كاملة بالجدة و الابناء و الأحفاد و زوجات الأبناء و جاءت فاطمة لتحمل مدخراتها التي بلغت 500 ليرة لتقول للجزار اقتلنا جميعا و اترك معتصم و اختبئت وراء ابيها لتنجو معه و لتخترق الرصاصة معتصم و تقتل الأم الذي تحمله و ينجو معتصم مع أبيه و أخته فاقدا أمه و اخ و أخت و أعمامه و زوجات أعمامه و أبنائهم جميعاً
بقي معتصم فترة طويلة يزور شعبة الهلال لنغير الضماد للبطن الصغير المخيط في أحد مشافي دمشق و بقي ابيه كل يوم في الليل يجلس القرفصاء على باب بيته في الظلام لا يكلم أحدا
القصة الثانية:
– في بداية عام 2014 جاء أحد الأطباء في الغوطة متأخرا عن موعد بيننا و الدموع تحبس نفسها في عينيه
تثاقل السؤال في فمي و من ثم انطلق باحثا عن إجابة
جاء رجل من عدة ايام للطبيب قائلا له كلفت بقتلك من أحد الجهات و قد راقبتك عدة أيام و ما وجدت منك إلا مساعدة الناس و اللهفة على الجريح و انا اتيت إليك لأعترف بما يحصل و أنا اول من سيحميك
قذيفة عشوائية اعتاد عليها اهل الغوطة طرحت الرجل جريحا في غرفة العمليات و ينادى على الطبيب ليجد الرجل على طاولة العمليات بين الحياة و الموت دون أن يسعفه الوقت في اتخاذ الإجراء اللازم فبكى الطبيب خوفاً من أن يكون هناك شيء في قلبه أخره عن إسعاف من كان يود قتله
القصة الثالثة:
شتاء 2013 -2014 طفلة أسعفت من أحد المدارس بدوار شديد سببه قلة الوارد الغذائي و حين أتت الأم قال اليوم ليس دورها في الطعام ……. لدي ابنتان و كل يوم تأكل أحداهما فلاطعام لدينا
القصة الرابعة:
– أحد أصدقاء طفولتي خبير في التمديدات الكهربائية يحمل عاتق كل مولدات المكتب الطبي على عاتقه مصاب بالتصلب اللويحي و يحتاج انترفيرون 3 مرات في الاسبوع …… خرجت من الغوطة منذ شهرين و أنا أحاول أن أجد مهربا يأتيه بدواءه من دمشق دون جدوى
القصة الخامسة:
– 21 آب 2013 عشرة آلاف شخص استيقظوا في النقاط الطبية متفرقين عن عائلاتهم و ابنائهم و اخوتهم
كانوا نياما استيقظ بعضهم و ما زال هناك 1466 شخص نائمون حتى اللحظة
و الضحايا هم من استيقظوا و من لم يصابوا فالرعب أصعب من النوم بالكيماوي
القصة السادسة:
– بسام طفل عمره ثلاث سنوات أتت امه إلى مكتبي في الغوطة في نهاية عام 2013 طالبة مني أن أبحث له عن طريقة لنعالج كبده المصاب بعد أن حصلنا على تقرير طبي بصعوبة و مخاطرة كبيرة من أخصائي في دمشق بأنه يحتاج زرع كبد و الأم تظن أن زرع الكبد كزرع السن
بحثت طويلاً عن طريقة نخرجه فيها و نجد متبرعاً يكفله في احد المشافي القليلة في العالم التي تجري هكذا نوع من الجراحات و كان لا بد من الشرح للأم عن الصعوبات كي لا تصطدم بالواقع و قد سردت لها الصعوبات واحدة تلو الأخرى و كللتها بالصعوبة الأكبر و هي إيجاد متبرع بكبده لبسام
التفتت الأم يمنة و يسرة لتتأكد من أحدا لا يسمعها و قالت أعطيه كبدي ……… أجبتها ستموتين و قالت أعلم و لكن أرجو أن لا يعلم أبوه أنني سأخرج معه لأعطيه كبدي
بسام مات بعد عدة أسابيع مخلصاً إياي من عقدة الذنب بأني لم أستطع شيئا و جاءت الأم حتى بعد وفاته تشكرني لأني بحثت لها عن مخرجاً
ما زال الغرب حتى اليوم يطلب مننا سرد قصة الكيماوي و يبكي حين نحكي له عن الأسر التي تفرقت و عن العائلات التي نامت بأكملها و لم تستيقظ
هنيئا لكم بقدرتكم على البكاء
الكيماوي من مآسي الغوطة لا يتجاوز ما ذكرت من أمثلة من ملايين القصص
قصة بسام ذكرتها ليس لأن بسام مات في الحصار بل كان من الممكن أن يموت في غير بقعة من الأرض فمن الصعب علاجه و لكن ذكرتها لأن أمه أرادت أن تعطيه كبدها و تموت دون حتى أن يعلم زوجها و والد طفلها فقد ملت من البكاء و التحدث عن مشكلة بسام و نحن هكذا مللنا الحديث
هكذا هي مآسينا …… والد معتصم و ام بسام و الطبيب المستهدف و صديقي المصاب بالتصلب اللويحي يكملون حياتهم دون بكاء
ابكوا فقد فقدنا القدرة على البكاء
ابكوا و تذكروا الكيماوي فصدقوني من رأى الأطفال نياما يومها و لم يستيقظوا يعلم أنه هو الضحية لأنه ما زال صاحياً
بالحظة ذاتها اللي استشهد فيها الشهيد محمود بدران…
كانت امه بالمخاض..وانجبت طفلا ذكرا و أسموه محمود
مما حدث في مدينتي #دوما يوم أمس!!