منذ وصلت إلى تركيا، وجمعتني لقاءات عديدة بمسؤولين أتراك، منهم من كان نائبا لأردوغان، ومنهم المستشار الأول لداود أوغلو، ومنهم مدير مركز البحث الرئيس التابع للعدالة والتنمية، ومنهم نواب في البرلمان، وهذا بخلاف الإعلاميين والباحثين وأساتذة الجامعات الذين ألتقيت بهم في مؤتمرات أو ندوات علمية أو غيره.
وأقول:
لم أترك واحدا من هؤلاء إلا وسألته عن “احتمالية أن يقوم الجيش في تركيا بالانقلاب على أردوغان”، وعن “مدى سيطرة أردوغان على الجيش التركي”..
وهؤلاء على اختلاف اتجاهاتهم وأفكارهم كانت لهم إجابة واحدة: الانقلاب ممكن جدا، وأردوغان ليس مسيطرا على الجيش بالقدر الذي أجزم به ألا يحدث انقلاب، وأي إنسان في تركيا يحدثك عن سيطرة كاملة لأردوغان فاعلم أنه لا يعرف شيئا!
بل أتذكر كأنني الآن كلمة مسؤول تركي في جلسة خاصة، دار فيها الكلام عن المصالحة المصرية التركية قبل شهور، وسألته ضمن أمور كثيرة عن وضع المهاجرين، فقال: طالما (إخوانكم) موجودون في الحكم فأستطيع أن أضمن لك تماما أن المهاجرين لن يمسهم سوء، ولكن إذا حدث انقلاب عسكري غدا فأنا شخصيا لن أضمن حياتي!
ما المقصود من كل هذا الآن؟
المقصود منه أن القوم بعد 14 سنة في الحكم كانوا يعرفون حقا مدى قوتهم ومدى قوة خصمهم، ويعرفون مدى احتمال المخاطر.. لم تغرهم جلسات الود والسمر مع العسكر، ولا ضرب التحية العسكرية، ولا الحديث الدائم عن احترام الديمقراطية ولا.. ولا.. ولا… إلخ!
القوم يقظون لموقعهم ومدى تمكنهم من الأمور، فيعملون ما استطاعوا ولا يجدون حرجا في الاعتراف بأمر لم يستطيعوه بعد!
كان الكلام رغم ما يثيره من قلق يعجبني ويزيدني لهم احتراما، ويذكرني بالحسرة على “إخوانا اللي فوق” الذين لعب بهم العسكر الكرة وهم لم يكملوا شهورا في الحكم، وكل المؤشرات تدل على الخيانة، فضلا عن التاريخ المرير، وفضلا عن الحوادث الفارقة كأيام الاتحادية!
لم أقابل قياديا إخوانيا في مصر قبل الانقلاب إلا وطمأنني من ناحية الجيش، وكل هذا في لقاءات خاصة (يعني ليس فيها شبهة دبلوماسية ولا مناورة) بداية من خيرت الشاطر ومن تحته، ومن عاملين في الرئاسة ومن أعضاء مكتب إرشاد وغيرهم!
أبدا لم يعبر أحد عن خوفه من العسكر.. أبدا.. لا أدري، كأن #السيسي سحرهم فعلا!
وأبأس من هذا ما وقع بعد الانقلاب، وما وقع بعد رابعة، إن ما رأيته بعيني وما سمعته بأذني يحملني حملا على الاعتقاد بأنهم مخترقون أكثر من كونهم مغفلين.. إن بعض هؤلاء يبذل جهده في تمكين العسكر، ويلعب به شاب من مركز بحثي غربي أو صحافي أجنبي أو غيره.
على كل حال.. قصدت أن أقول: إن من حكم تركيا 14 سنة كان يعرف أن #العسكر غير مأمونين رغم تلال الأدلة والمظاهر التي تقول بأن الوضع اختلف وتمكن لأردوغان، وأن من توهم أنه يحكم مصر لم يكمل شهورا حتى كانت ثقته في مدير مخابرات العسكر أكبر من ثقته في أخيه، بل لقد رمى أخاه البصير بأنه الوحيد الذي لديه هواجس ووساوس انقلاب عسكري!!
وصدق ربنا: (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم، ويعفو عن كثير)
المصدر : صفحة الكاتب على فيسبوك.