شبكة العاصمة اونلاين
إذا كان يقال دوماً أن هناك شعرة بين الجنون والعبقرية، فإنه يبدو أن هناك أحياناً شعرة بين العبقرية والبساطة، هذا هو حال السوري عبد الرحمن الأشرف الذي ترك دمشق، ثم انتقل إلى ألمانيا لإكمال دراساته العليا، إلا أنه لم ينس معاناة أهل مدينته مع الاتصالات.
معاناة الأشرف جعلته يعمل على دراسة بحثية لتذليل مصاعب الاتصالات أمام السكان الذين يعانون خلال الحروب والأزمات، ليتوصل لفكرة عبقرية نالت إعجاب لجنة تحكيم مسابقة “جائزة الشباب الأوروبي”، التي قررت إعلانه فائزاً بالمسابقة لعام 2016.
ساعي بريد إلكتروني
يقول عبد الرحمن لموقع “هافينغتون بوست عربي” إن مشروعه يعمل على مبدأ نقل الرسائل من قبل ساعي البريد، لكن عوضاً عن الورق يتم النقل إلكترونياً”.
مضيفاً أن “الرسائل ستنتقل من هاتف ذكي إلى آخر في منطقة ما من خلال الواي فاي أو البلوتوث أو غيرها من وسائل الاتصال بين الهواتف على أن يتحول كل مستقبل إلى مرسل أيضاً، حتى تصل الرسالة إلى الطرف الآخر من المدينة على سبيل المثال الذي يتوفر فيه شبكة الإنترنت وبالتالي تذاع الرسالة على الشبكة”.
والمستخدم الذي سيقوم بتفعيل وضعية معينة في هاتفه المحمول تشير لفقدانه الإنترنت (كوضعية دون اتصال أو الطوارىء) سيبدأ جهازه بشكل أوتوماتيكي بالاتصال بالأجهزة الأخرى المجاورة، وسيواصل استعمال برامجه المعتادة “كفيسبوك.. وواتساب..” لكن ضمن نطاق معين كالحي أو المدينة التي يعيش فيها، إن كانت المدينة كلها دون خدمة إنترنت.
وأضاف أنه إذا التقط جهاز شخص ما يجلس في سيارة تسير على طريق في طرف المدينة رسالة من داخلها، وتابع طريقه إلى مدينة أخرى، ستتم نقل الرسالة إليها وستنتشر إذا كان بها إنترنت.
المشروع اعتمد على تقنية “ميش نيتوركينغ”، التي عادة ما تستخدم في المناطق الصحراوية لتكرار الرسائل، لكنها لم يسبق وأن استخدمت في مجال توفير الاتصالات في مناطق الكوارث والحروب، رغم وجود تجارب بحثية سابقة.
وقال إن مشروعه يتضمن إلى جانب نظام الإرسال، نظام تنبيه أيضاً عن طريق الضوء والصوت، يعمل على إيصال رسالة للمتواجدين في منطقة معينة، لكي لا يتوجهوا نحو مكان محدد يشكل خطورة على حياتهم، كعثور السلطات على قنبلة في مكان ما.
وبين أن نظام التنبيه يمكن أن يعمل على “الوايفاي” أو “البلوتوث”، وبذلك سيعتمد نطاق وصول الرسالة على الوسيلة التي يتم استخدامها في الإرسال، وبذلك ستختلف النتيجة بحسب حداثة جهاز الهاتف المحمول مثلاً.
وقال إنه بعد إجراء البحث وضع نموذجاً يوضح الكيفية التي يمكن أن تعمل فيها التقنية، لكنه لم يحوله إلى تطبيق “أبليكشن”، لأنه ينوي نقله إلى مرحلة جديدة، مضيفاً أنه يعتقد بأن تحويله إلى تطبيق ستؤدي لفشله، لأن المحتاجين له لا يستطيعون الاتصال بالإنترنت حتى يتمكنوا من تنزيله من متجر إلكتروني.
لذا يسعى لأن تكون هذه الخدمة متوافرة مسبقاً في أنظمة تشغيل الهاتف المحمول مثلاً.
وكان عبد الرحمن قد درس الهندسة المعلوماتية (تخصص برمجيات) في دمشق، ثم جاء بموجب منحة تدريبية إلى ألمانيا منذ قرابة العامين والنصف، وبدأ بالعمل كمتدرب في شركة “MHP – A Porsche Company” المتخصصة بالاستشارات البرمجية في شركة بورشه الشهيرة، ودراسة الماجستير في الجامعة في قسم “تقنية البرمجيات” في الوقت نفسه، قبل أن يتخرج ويواصل عمله في الشركة ذاتها.
وأشار إلى أنه وإن كان الوضع في سوريا كان دافعه الأساسي، إلا أنه قال إن الأمر لا يقتصر على بلاده فالحروب والكوارث في العالم لا تنتهي، ضارباً المثل باليابان وإيطاليا، التي كثيراً ما تشهد زلازل.
لافتاً أيضاً إلى أن لمشروعه فوائد حتى في الدول المتقدمة، إذ ستساعد في الحالات التي تتعطل فيه الاتصالات لأسباب تقنية، كالانقطاع في الاتصال بالشبكة الذي يعاني منه المتفرجون بملاعب كرة القدم، أو في الطوابق السفلية بالمباني أو بمحطات المترو، أو حتى كحل للفقراء العاجزين عن دفع اشتراكات الإنترنت.
فوز”فري كوم” بـ”جائزة الشباب الأوروبي” لم يكن بالأمر السهل ، فالمسابقة تنظمها منظمة غير ربحية مقرها في سالزبورغ بالنمسا هي “إنترناشيونال سنتر فور نيوميديا” بدعم من عدة جهات خاصة وحكومية بينها المفوضية الأوروبية.
وتقول المنظمة إن المسابقة تهدف إلى تحفيز الشباب وأصحاب الشركات الناشئة على إنتاج مشاريع ذات قيمة مجتمعية، لتحقيق استراتيجية “أوروبا 2020” التي وضعتها المفوضية الأوروبية للنهوض باقتصاد الاتحاد الأوروبي.
ومن بين 167 مشروعاً تقدم للمسابقة، تمت دعوة 13 منها من كافة أنحاء أوروبا لمؤتمر عقد بين (30 نوفمبر/تشرين الثاني – ٣ ديسمبر/كانون الأول 2016)، اختير في نهايتها مشروع “فري كوم” الذي قدمه الشاب السوري فائزاً إجمالياً، إلى جانب فوزه في البداية عن فئة تعرف باسم المواطنة الفعالة.
وأرجع الشاب السوري فوزه بالجائزة وإقناعه للجنة التحكيم، إلى نشاطه خلال المؤتمر وبحثه عن أفكار جديدة وداعمين خلال الأيام الأربعة، ما دفع اللجنة إلى الاقتناع بأحقيته بالفوز، إلى جانب اقتناع الشباب في اللجنة بمشروعه الذي كان صعباً على الأعضاء الأكبر سناً تفهمه، لافتاً إلى أنه أحس بأن اللجنة أرادت دعمه بهذا الفوز كي يكتمل المشروع.
وأشار إلى أنه فوجئ لفوزه في المنافسة، لاسيما وأن عدداً من المشاريع المنافسة كان قد تبلورت تماماً وتحولت إلى تطبيقات موجودة على أرض الواقع، حصد أحدها أرباحاً تصل لنصف مليون يورو حتى الآن.
لجنة التحكيم بدورها قالت في بيان إن المشروع جدير بالثناء لأنه يعالج المشاكل الاجتماعية العصرية، مشيرة إلى أن إدماجه في التكنولوجيا دون الحاجة لتحميلها من الإنترنت كان السبب الرئيسي لإعلانه فائزاً إجمالياً.
المصدر : هافينغتون بوست