شهدت المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة شمال سوريا ظاهرة إنشاء عدد من الأفران، عامة وخاصة، لتأمين مادة الخبز الاستراتيجية، بعد ازدياد عدد السكان في مدينة إدلب وريفها، نتيجة عمليات التهجير لفصائل المعارضة وعائلاتهم من قبل النظام، إضافة إلى عودة الحياة إلى مناطق ريف حلب الشمالي، بعد طرد تنظيم “الدولة الإسلامية” وعودة الأهالي إليها.
وعمل هذه الأفران مرتبط بتأمين مادة الطحين الاستراتيجية، خاصة في ظل تراجع زراعة القمح في سوريا نتيجة الحرب.
ثلاثة مصادر للطحين
في البداية عمد أصحاب الأفران إلى شراء مادة الطحين من السوق المحلية التي تدخل عن طريق تجار إلى شمال سوريا، لكن بأسعار مرتفعة، فكان يصل سعر الكيلو إلى 150 ليرة سورية، ما أثر على ارتفاع سعر ربطة الخبز إلى 200 ليرة.
لكن تأمين المادة أصبح يعتمد على مصدرين في المنطقة، بحسب ما أكده مسؤول الإعلام في لجنة إعادة الاستقرار في ريف حلب، مناح ديب، الذي قال في حديث إلى عنب بلدي إن مادة الطحين يتم تأمينها عبر المؤسسة العامة للحبوب التابعة للحكومة السورية المؤقتة، إضافة إلى المنظمات التركية المتمثلة بـ”آفاد” و”iHH”.
ورغم توفر الطحين إلا أن ديب أشار إلى انقطاعه في بعض الأحيان يؤدي إلى ارتفاع سعر ربطة الخبز إلى حدود 200، كما حصل في مدينة أعزاز قبل أسبوعين، لكن المشكلة تكون مؤقتة ويتم حلها بسرعة.
عبد الله النايف من المكتب الإعلامي لمجلس اخترين في ريف حلب الشمالي، أكد أن الاعتماد الكبير في تأمين مادة الطحين يكون عبر تركيا وخاصة منظمة “آفاد”.
وعن تأمين المحروقات والمواد التي تدخل في صناعة الخبز (الخميرة والملح والوقود)، أوضح النايف أن جميعها يتم تأمينها من خلال تجار في المنطقة، في حين تلتزم بعض المنظمات في بعض الأحيان بتأمين النفقات التشغيلية من وقود وخميرة وغيرها.
لكن هناك مصدرًا ثالثًا للمواد الأولية في إدلب، حيث تعتمد الأفران على شرائها من السوق المحلية، بحسب ما قاله مدير عام الأفران في إدلب وأريحا ومحمبل، المهندس صبحي مرديخي، الذي أكد أن المواد الأولية في أفران إدلب ومحمبل تؤمّن من السوق المحلية، أما فرن أريحا فهو مدعوم بعقد شهري مع منظمة “القلب الكبير”، والتي تؤمّن نصف كمية الطحين ونصف كمية الخميرة.
وعن “الدعم التركي” في إدلب، أوضح مرديخي أن دعم “آفاد” يصل مرة واحدة كل ثلاثة أو خمسة أشهر، وفي الوقت الحالي مقطوع منذ ثمانية أشهر تقريبًا، ويكون الدعم لمدة أسبوع واحد فقط ما يخفض سعر الربطة إلى 100 ليرة.
وأوضح مرديخي “في مدينة إدلب عملنا أربعة مشاريع فقط مع آفاد خلال عامين، فلا يمكن الاعتماد عليه إطلاقًا”.
سعر ربطة الخبز يحدده الدعم
تحديد سعر الربطة يرتبط ارتباطًا وثيقًا بتأمين مادة الطحين، والدعم المقدم من قبل المنظمات والمجالس المحلية.
النايف قال في حديث إلى عنب بلدي إن “وزن الربطة الواحدة يبلغ 1150 غرامًا، وتم الاتفاق مع جميع الأفران في المنطقة على سعر موحد للربطة وهو 75 ليرة سورية للمواطن، في حال تسليم صاحب الفرن طحينًا مجانيًا أو مدعومًا، لكن السعر قابل للتعديل بحسب التكلفة”.
في حين يبلغ سعر الربطة في أفران إدلب ومحمبل 150 ليرة بوزن 850 غرامًا، أما في أفران أريحا في حال وجود الدعم يكون وزن الربطة 1.200 غرام بسعر 125 ليرة، بحسب مرديخي الذي أوضح أن “تسعير الربطة يقوم على تأمين تكاليفها فقط دون ربح أو خسارة، إضافة إلى تأمين تكاليف وأجور العاملين، وقسم بسيط للصيانة”.
وعن مخصصات الأفران من المادة، أشار النايف إلى أن التوزيع يتم بحسب الطاقة الإنتاجية للفرن وبحسب عدد القرى والمواطنين المستفيدين منه.
أما مخصصات الأفران في إدلب فيتم تحديدها من قبل الإدارة العامة للمخابز، وتتعلق بشكل مباشر بالسعر، فإذا كان سعر الربطة رخيصًا تكون المخصصات كبيرة، أما إذا كان سعر الربطة مرتفعًا، تكون المخصصات قليلة، باستثناء فرن أريحا لوجود الدعم.
رقابة وتفتيش على الأفران
ونتيجة انتشار أعداد كبيرة من الأفران الخاصة والعامة كان لا بد من رقابة ومتابعة لعملها، واتخاذ إجراءات لمعاقبة كل من تسوّل له نفسه التلاعب بوزن الربطة أو جودة رغيف الخبز واحتكار مادة الطحين.
ويشرف المجلس المحلي لمدينة اخترين على الأفران العامة والخاصة في المدينة، بحسب النايف، الذي أكد أنه في حالة مخالفة أحد الأفران تتم مساءلة صاحب الفرن بشكل قانوني عن طريق المجلس والجهة التنفيذية “الشرطة المدنية (الحرة)” والمحكمة، وفي حال المخالفة في وزن وسعر الربطة، تتخذ إجراءات بحق صاحب الفرن ويقدم إلى القضاء.
وكذلك الحال في مدينة إدلب، إذ أشار مرديخي إلى وجود دوريات تقوم بمراقبة الأسواق والأفران التي توجه ثلاثة تنبيهات للفرن في حال المخالفة، وعند عدم الالتزام يحول إلى اللجنة الأمنية بشكل مباشر، مشيرًا إلى أنه كان هناك عدة حالات للتلاعب بوزن وسعر الربطة لكن أصحاب الأفران التزموا بعد التنبيه الأول.
أفران خاصة تزاحم العامة
ونتيجة ازدياد عدد السكان أنشأ بعض المستثمرين أفرانًا خاصة، معتمدين على شراء مادة الطحين بداية من السوق السوداء بأسعار مرتفعة تصل إلى 150 ليرة للكيلو، ما يضطرهم إلى بيع سعر الربطة بـ 200 ليرة وأحيانًا تصل إلى 250 ليرة.
“أبو عمر” صاحب فرن الشهابي الخاص في مدينة الباب، بدأ العمل قبل شهر، وقال لعنب بلدي إن المجلس المدني خصص للفرن ثلاثة أطنان يوميًا من مادة الطحين بسعر مدعوم بـ 65 ليرة، وحدد سعر الربطة الواحدة بـ 100 ليرة، في حين يوفر مواد التشغيل مثل الخميرة والملح بشكل حر، إضافة إلى الوقود الذي يبلغ سعر اللتر الواحد منه 46 ليرة.
وأكد “أبو عمر” أن الفرن يخضع للرقابة من قبل المجلس عن طريق لجنة تشرف على الأفران للوقوف على وزن الربطة وجودة رغيف الخبز، وهذا ما أكده عبد الله النايف من المكتب الإعلامي لمجلس اخترين في ريف حلب الشمالي، بأن الأفران الخاصة مسجلة أصولًا ومراقبة من قبل لجنة خاصة (لجنة الرقابة والتموين) العائدة للمكتب الإغاثي.
في حين يعتمد أصحاب الأفران الخاصة في إدلب بشكل كبير على شراء المواد الأولية من السوق المحلية، ما يضطرهم إلى بيع الربطة الواحدة بسعر 200 ليرة مع وجود هامش ربح بحسب مرديخي.
المعتمدون تحت الرقابة
وبرغم انتشار الأفران إلا أن هناك بعض القرى في الأرياف تعتمد على شراء الخبز من خلال المعتمدين الذين يقومون بجمع “دفاتر عائلية” لمنطقة ما، ويقدمون الدفاتر إلى لجنة إعادة الاستقرار شمال حلب، ليحصلوا على عدد معين من ربطات الخبز بحسب عدد المواطنين.
“أبو عمر” أكد أن اللجنة تخصص للمعتمد شراء ربطة الخبز بسعر 90 ليرة من الفرن، ليبيعها للمواطن بـ 100 ليرة، كما تحدد له الفرن الذي سيأخذ منه كمية الخبز، مطالبًا بتوحيد كميات المعتمدين فبعض الأفران يأخذ المعتمد منها 400 ربطة، وبعضها الآخر لا يؤخذ منها أي ربطة.
ويخضع المعتمد أيضًا للرقابة والتفتيش لأن البعض قد يزيد سعر الربطة، كما يمكن أن يتفق مع صاحب الفرن بتخفيض وزن رغيف الخبز ويبيعها للمواطنين بسعر 80 ليرة، ما يعود بالفائدة على صاحب الفرن والمعتمد في الوقت نفسه.
مسؤول الإعلام في لجنة إعادة الاستقرار في ريف حلب، مناح ديب، أكد أن تحديد المعتمدين يتم من أبناء القرية أو المنطقة المعنية، ويحدد لهم هامش ربح على كل ربطة، وفي حال تجاوز هامش الربح أو ورود شكاوى يتم استبداله، وتحويله إلى القضاء ومحاسبته.
سبع جمعيات لدعم المخابز السورية
في محاولة لتأمين مادة الخبز الاستراتيجية للمواطنين، نظمت عدد من الجمعيات الإغاثية حملات تهدف إلى تخفيض أسعار الخبز وتوزيعه بشكل مجاني على المحتاجين.
جمعية عطاء، التي توصف بأنها منظمة مجتمع مدني عاملة في إغاثة الشعب السوري، بدأت مع ست جمعيات أخرى مشروع “دعم المخابز السورية” لتأمين المادة إلى عدد من أهالي المدن.
وقال منسق المشاريع التنموية في جمعية عطاء للإغاثة والتنمية، حسام شماع، إن المشروع عبارة عن دعم المخابز السورية بالطحين، والداعم هو “الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية” من الكويت، التي دعمت سبع جمعيات بألف طن من الطحين شهريًا لمدة ستة أشهر، قابلة للتمديد لمدة سنة.
وأوضح شماع أن الجمعيات السبع هي جمعية عطاء للإغاثة والتنمية، وجمعية الوفاء، وجمعية الأيادي البيضاء، وجمعية أهل الحديث وجمعية شام الخير، وجمعية الهدى الخيرية، وجمعية هيئة ساعد.
وتشرف جمعية عطاء على تنفيذ المشروع من حيث استلام الطحين وتوزيعه على الجمعيات الأخرى، كما تقوم بمراقبة جودة الخبز، والتأكد من شراء الربطة من قبل المستفيد بـ 75 ليرة، إضافة إلى التأكد من وزن الربطة، التي يجب ألا تقل عن 900 غرام.
شماع أكد أن مواقع تنفيذ المشروع تتوزع إلى مدينة اعزاز بريف حلب، حيث يوجد فرن واحد، كما يوجد في ريف حماة فرنان، وبقية الأفران في إدلب وريفها.
ويُوزع الخبز للعائلات المحتاجة وفق قسائم وقوائم توزع بشكل يومي وشهري، وتُسلّم ربطة أو اثنتان للعائلة بحسب عدد أفرادها، بعد دراسة يقوم بها كل فرن عن العائلات.
ولاقى المشروع ترحيبًا من قبل المواطنين خاصة الذين كانوا يشترون الربطة بـ 200 ليرة، كما قال رئيس المجلس المحلي لبلدة الدانا، محمود حسين نجار، لعنب بلدي، إن “مشروع الخبز يعتبر خدمة كبيرة، وله صدى بالوسط الاجتماعي وأثر إيجابي من الناحية المعيشية على المواطن سواء المقيم أو النازح”.