نجحت حملات منظمة الصحة العالمية “WHO” في توفير اللقاحات المضادة لشلل الأطفال وتوزيعها على مرحلتين داخل مناطق سيطرة المعارضة في عموم سوريا أوائل العام المنصرم، لكن أمراضا خطيرة باتت تهدد جنوب سوريا خلال العام الحالي، وذلك إما بسبب استخدام مياه غير صالحة للاستعمال البشري، أو لعدم توفر اللقاحات الوقائية.
المياه الملوثة خيار الأهالي
وتعد بلدة حيط في الريف الغربي من محافظة درعا، الواقعة على الحدود الأردنية، من أوائل القرى المحررة بالمحافظة، وهي تمثل ملاذا آمنا لمقاتلي المعارضة في ريف درعا الغربي، وبسبب عجز قوات النظام عن البقاء فيها، فقد انتقمت منها بقصفها وقتل ما يقارب الـ200 من أبنائها، واعتقال 50 آخرين خلال سنوات الثورة، بحسب مراقبين.
إلا أن موقع بلدة حيط وضع أهلها بين خيار البقاء وتحمل المعارك الدائرة في محيطها، ومقاومة الحصار وتبعاته المتواصلة منذ عامين، أو المخاطرة باتباع طريق الوادي الوعرة والمستهدفة، ومن ثم التوجه نحو مناطق أكثر أمنا.
أحد مقاتلي البلدة الملقب بـ”أبي بلال الكناوي”، والمصاب في إحدى المعارك مع قوات النظام، شرح لـ”عربي21” واقع بلدته، وروى قصة هروبه منها قائلا: “لم ينته القصف بخروج قوات النظام من المنطقة، فسرعان ما اشتعلت المعارك فيها في جديد”.
وتابع: “قبل أشهر؛ هربت أنا وعائلتي عبر طريق وعرة برفقة مئات العائلات، وذلك عقب اشتداد وتيرة المعارك بين فصائل الجيش الحر وبين جيش خالد بن الوليد المبايع لتنظيم الدولة، حيث أدى توسع التنظيم أواخر شباط 2017، وسيطرته على القرى المجاورة؛ إلى تحول بلدتي لساحة حرب بين الطرفين، ما فرض حصارا خانقا على المدنيين المتبقين داخلها، في ظل نقص المواد التموينية وارتفاع أسعارها، نظرا لصعوبة تأمينها، وخطورة نقلها عبر طريق قتل وأصيب كثيرون خلال محاولة عبوره”.
وأضاف الكناوي أن “تمدد تنظيم الدولة في بلدة حيط، وقطعه لخط المياه الوحيد القادم من جارتها سحم الجولان، وفشل تجارب حفر الآبار فيها؛ أجبر حوالي أربعة آلاف نسمة من المتبقين داخلها على قطع مسافة 7كم للوصول إلى نهر اليرموك، واستخدام مياهه الملوثة في قضاء حاجاتهم اليومية، لتبدأ بعدها أعراض الأمراض المعوية والإنتانات الجلدية تظهر على أجسادهم، ما يهدد بكارثة صحية قد تصيبهم”.
وذكرت مصادر من داخل النقطة الطبية العاملة في القرية لـ”عربي21” أن “المصابين بهذه الأمراض يشتكون من الإسهال والتقيؤ والآلام البطنية الحادة، بالإضافة إلى الإصابات الجلدية، كالحكة والحساسية وبعض حالات الجرب”، لافتا إلى أن “ظهور بعض حالات التهاب الكبد، وخصوصا لدى الأطفال، ينذر بكارثة محتملة في حال استمرار استخدام تلك المياه”.
أعراض الحصبة
من جهته؛ قال المسؤول في “شبكة الإنذار المبكر” الدكتور يعرب الزعبي، إن “أعراض مرض الحصبة ظهرت على عدد من الأطفال في محافظة القنيطرة، ثم امتدت لتشمل كامل الجنوب السوري في مناطق غير مخدومة طبيا، ما دفعنا إلى التقصي وفحص جميع الحالات المكتشفة، وإرسال عينات لفحصها في المخبر الوبائي بالعاصمة الأردنية عمان، وإلى المخبر الوبائي المنشأ حديثا في الداخل السوري”.
وأكد لـ”عربي21” أن “هذا المرض المعدي نادرا ما يظهر في سوريا”، مشيرا إلى أن “انتقاله يكون بالتماس المباشر، أو عبر قطيرات الهواء”.
وأوضح الزعبي أن عدم توفر اللقاحات الوقائية الدورية في مناطق سيطرة المعارضة؛ أدى إلى ظهور هذا المرض، داعيا إلى الالتزام بالإجراءات الاحترازية الممكنة، وذلك بعدم الاختلاط مع المصابين، وإعطاء المريض جرعتين من الفيتامين؛ يفصل بينهما 24 ساعة، لتجنب إصابة العين وحدوث العمى في حال تطورت الحالة للأسوأ، مشيرا إلى أن “اختلاط الأمهات الحوامل بأبنائهن المصابين بالحصبة الألمانية تحديدا، قد يؤدي إلى العدوى وتشوه الجنين”.
وتعالت الأصوات المنادية بتسليط الضوء على انتشار الأوبئة والأمراض في المناطق المحاصرة والمهملة صحيا جنوب سوريا، فقد باتت تلك المناطق حاضنة ملائمة لظهورها، بينما اقتصرت الجهود المبذولة في مواجهتها على إجراءات إسعافية بسيطة، في ظل انعدام اللقاحات المضادة، وغياب دور المنظمات الطبية الدولية.